&محمد جمعان

تقاطعت أساليب داعش مع عصابات المافيا في تركيزهما المشترك على خلق هالة إعلامية تضخم قوة وبطش كل منهما، مع تركيز على تحقيق الترويع.

وحرص كلا التنظيمين على صنع صورة ذهنية تؤدي وظائف نفسية واجتماعية مؤثرة. وارتبطت الصورة الذهنية لداعش لدى الآخرين بالرعب والعنف والدم، حيث استخدم أساليب متقدمة وتقنيات عالية بلغت كلفتها 3 مليارات دولار وتركت تأثيرها لدى الجمهور المستهدف، وهو ما أكد تفوق داعش على مثيلاته من التنظيمات الإرهابية الأخرى.

تقاطعت أساليب داعش مع عصابات المافيا في تركيزهما المشترك على خلق هالة إعلامية تضخم قوة وبطش كل منهما، مع تركيز على تحقيق الترويع الذي يضمن لهما نتائج إضافية نتيجة الانطباع الذي يفرضه في أذهان الآخرين.

وحرص كلا التنظيمين على صنع صورة ذهنية تعرّف في علم الاتصال بأنها انطباع صورة الشيء في الذهن، أو حضور صورته في الذهن، ولذا تسعى كثير من المؤسسات والجهات على إيجاد مكانة لصورتها عند الآخرين، بهدف إيجاد القبول لمنتجاتها وخدماتها وتسويقها على أوسع نطاق، سواء كان المنتج مادياً أو فكرياً ثقافيا.

وتكتسب الصورة الذهنية للمنظمات أهمية خاصة من خلال تأثيرها في الرأي العام، حيث تؤدي الصورة وظائف نفسية واجتماعية تؤثر في الرأي العام وتوجهه، باعتبارها مصدر آراء الناس واتجاهاتهم وسلوكهم.

وارتبطت الصورة الذهنية لداعش لدى الآخرين بالرعب والعنف والدم، حيث استخدم أساليب متقدمة وتقنيات عالية تركت تأثيرها لدى الجمهور المستهدف، وهو ما أكد تفوق داعش على مثيلاته من التنظيمات الإرهابية الأخرى، ونجاحه في لعبة الإعلام.

وعلى الرغم من انتباه وسائل الإعلام مبكراً إلى خطورة تناول مفهوم الدولة عند الحديث عن داعش بسبب ما تتركه في ذهن المتلقي من صورة يرغب التنظيم في ترسيخها، إلا أن التنظيم لم يتوقف عند هذه النقطة بعد فشله في تحقيقها، بل عمد وبمرونة عالية إلى الانتقال إلى محور آخر يعتمد على الاتصال المباشر، وتكوين الصورة الذهنية التي يرغبها في ذهن المتلقي، مستخدماً تقنيات عصرية تختلف عما استخدمته القاعدة وغيرها من المنظمات المنافسة.

وظهر داعش مستخدماً أحدث الكاميرات السينمائية عوضا عن الكاميرات البدائية التي استخدمتها القاعدة، كما استخدم سيناريوهات وإخراجا سينمائيا يدل على التخصص والاحتراف، معتمداً التصوير بتقنيات سينمائية هوليودية احترافية متجاوزاً عشوائية القاعدة في مقاطعها المرئية.

كما استخدم داعش كذلك وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة البينية مستفيداً من تكلفتها التي تكاد تكون معدومة، وما توفره من تواصل مباشر وغطاء متخفٍ يسهل تجنب متابعته، في تأكيد على أنه نجح في تكوين الصورة الذهنية لدى المستهدفين، واستفادته بطريقة احترافية من نظريات ونماذج علم النفس والاجتماع من جانب، وتكتيكات الاتصال ونظرياته من جانب آخر.

&التنظيم يستثمر أهمية ومجانية الإنترنت

أوضحت دراسة صدرت عن فريق بحثي في الإعلام الرقمي من جامعة الملك سعود، ونشرت عام 2014 تحت عنوان "القوى الخفية لداعش في الإعلام الجديد"، أن الإعلام يحظى بأهمية بالغة داخل هيكلة التنظيم، وهو من أكثر التنظيمات الجهادية اهتماما بشبكة الإنترنت والمسألة الإعلامية، لأنه أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية لوسائط الاتصالات في إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته الجهادية، فأصبح مفهوم "الجهاد الإلكتروني" أحد الأركان الرئيسة لديه منذ تأسيسه.

وفي تقرير للباحث صبرا القاسمي بعنوان "الأجنحة الإعلامية السبعة لقسم اتصالات تنظيم داعش"، أوضح أن التنظيم خصص قرابة 3 مليارات دولار من ميزانيته لتمويل العمليات الإعلامية، وبالتالي استطاع استيراد أحدث الأجهزة والكاميرات التي مكنته من التصوير بتقنية متقدمة للغاية، تكاد تصل جودتها إلى جودة الأفلام الأميركية المصنوعة في مدينة السينما "هوليوود".

&إعدام مصريين في ليبيا

أوضح المنتج السينمائي المصري صفوت غطاس في معرض تعليقه على تسجيل بثه داعش يظهر عملية إعدام عدد من العاملين المصريين في ليبيا أن الهدف الذي ينشده التنظيم من بث المقطع هو "استغلاله إعلاميا لبث الرعب في النفوس من أجل تنفيذ أهداف وإيصال رسائل بعينها".

وقال غطاس في مقابلة نشرتها "سي إن إن العربية" في فبراير 2015، إن "التسجيل تم تصويره باحترافية شديدة للغاية، ويظهر أن القتلة قاموا بعمل بروفات قبل مدة من التصوير حيث لم يظهر الخوف على وجوه الضحايا قبل عملية الذبح، ما يشير إلى أنهم لم يكونوا متأكدين أن العملية ستنفذ هذه المرة".

وأضاف "التسجيل يهدف لعمل نوع من التحضير النفسي للمشاهدين بأن هناك كارثة ما ستحدث، حيث بدأ بصوت البحر أثناء دخول الإرهابيين وهم يمسكون بالضحايا لإحداث نوع من التوتر".

وأكمل "إن عناصر داعش استخدموا كاميرا ذات جودة عالية، كما أن طريقة مزج المشاهد وتحريك الكاميرا من اليمين إلى اليسار، تثبت أن عمليتا الإخراج والمونتاج تمتا باحترافية عالية وتقنيات متطورة، وهو ما ظهر أثناء دخولهم ووقوفهم وهم يمسكون بالضحايا بمسافات متساوية وبشكل منظم قبل تنفيذ عملية الإعدام".&

الاستعانة بأعلى فنون التصوير لتقديم الجرائم بنكهة هوليوود

نقلت وسائل الإعلام مطلع العام الحالي عن رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، تأكيده في إحدى المناسبات أن مخرجي أفلام التنظيم ليسوا من الهواة، وقوله إن "داعش عدو مجهز بأعلى الإمكانات من فنون التصوير، والتدريب، والقتال"، مستشهدا بتصوير أعضاء التنظيم للأسرى أثناء ذبحهم، الأمر الذي يوحي بأن من يصور تلك الفيديوهات، مصور في "هوليوود".

ووفقاً لجريدة "القبس" الكويتية فقد كشف موقع ناشيونال ريبورت في وقت سابق عن إلقاء السلطات الأميركية القبض على 8 أشخاص، بتهمة التحريض ومساعدة تنظيم داعش الإرهابي على إنتاج أشرطة الفيديو التي يبثها.

وأشارت التحقيقات إلى أن تلك الفيديوهات يتم إنتاجها بعد قتل الضحايا بوقت كاف لكي يتم إرسال اللقطات الخام إلى جهة المونتاج الاحترافي ومن ثم يعاد بثها بالشكل التقني العالي الجودة.

وتقول مصادر إن هذه الأفلام الخام يتم إرسالها إلى جهات خارجية تمتلك إمكانات كبيرة في المونتاج والإخراج.

وكانت السلطات الأميركية قد دهمت في لوس أنجلوس مقر شركة "فاينال سليشن بروديكيشنس" المختصة بإنتاج الفيديوهات بشكل احترافي يتضمن قيامها بأعمال المونتاج النهائي وإضافة المؤثرات البصرية والصوتية للإعلانات الترويجية.

واتهمت السلطات الشركة بإنتاج مقاطع الفيديو الخاصة بـ"داعش" من أستديوهاتها تحت غطاء إنتاجها لفيديوهات إعلانية، مستندة في اتهامها إلى معلومات تفيد بأنها عثرت في كومبيوترات الشركة على بعض المقاطع واللقطات المصورة التي لها علاقة بأفلام داعش.

وقال المسؤول عن مكتب المخابرات في لوس أنجلوس إن "رجال الشرطة تمكنوا من العثور على مقاطع فيديو في شكل لقطات خام محمّلة على أجهزة الكمبيوتر الموجودة في أستديوهات الشركة". وقال موقع "ناشيونال ريبورت" نقلاً عن مصادر خاصة به، إن "القوات توصلت إلى تلك الفيديوهات نتيجة لاستجواب مجموعة من السجناء اعتقلوا في العراق، إضافة إلى اكتشافها مقاطع فيديو أرسلت عبر خوادم بروتوكول لنقل الملفات المشفرة، لمنتج في الولايات المتحدة".

بدورها، كشفت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية في وقت سابق في فبراير 2015، عن وجود 5 شبان برتغاليين يقومون بإدارة وحدة تصوير ومونتاج أفلام قطع الرؤوس في داعش.

وقالت الصحيفة إن شابا يدعى نيرو سرايفا يترأس المجموعة التي هاجرت إلى بريطانيا لتكون لفترة طويلة تحت أنظار المخابرات البريطانية قبل أن تتوجه إلى سورية للقتال إلى جانب داعش.

أما علاقة سرايفا بتصوير الأفلام، حسب التحقيق الصحفي، فتكاد تكون أكيدة بعد تغريدته على تويتر في يوليو 2014، أي قبل 39 يوماً من إعدام الأميركي جيمس فولي، حيث كتب في رسالة وجهها للولايات المتحدة، أن التنظيم سيصور فيلماً جديداً، وشكر الممثلين فيه.&

التشويق وحركة الكاميرا يبهران المتابع لإعدام الكساسبة

كشف المخرج السينمائي الفلسطيني خليل المزين في حديثه لموقع "الجزيرة نت" التابع لقناة الجزيرة القطرية في فبراير 2015 أن تصوير إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة تم من زوايا متعددة، وبتتابع محترف.

وأردف "حرص التنظيم في بداية السيناريو على تبرير "فعلته المشينة" بحق الكساسبة، وإظهار أن إعدام الطيار رد فعل على مشاركة الأردن في الحملة الدولية ضد التنظيم، ورافق عرض التبرير، وحديث الطيار الأسير عن نفسه والمهمة الموكلة إليه تتابعية مميزة في المشاهد، فحملت كل ثانية احترافية "وكأن محترفين عالميين يقفون خلف إنتاج الفيديو"، وأحدث مصور الفيديو من خلال استخدامه الكوادر المتنوعة بشكل محترف تشويقاً عالياً للجمهور، وإبراز عناصر التنظيم أقوياء واثقين، وبدت نظراتهم المقربة من خلف اللثام حادة غير مرتبكة".

وأضاف المزين أن "استخدام أدوات المونتاج بشكل مدروس جدا أضاف تأثيراً ساحراً إلى الصورة"، مشيراً إلى أن التنظيم استخدم كاميرات حديثة "فل إتش دي" لإظهار صورة عالية النقاء، وعمد إلى استخدام نظام عزل الشخصيات عن الخلفية لضمان تركيز المشاهد على الحدث الأساسي، كما كانت حركة الكاميرات خفيفة دقيقة، "وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية امتلاكهم مثل هذه الأدوات باهظة الثمن؟".

وواصل "اعتدنا على إصدارات لتنظيمات جهادية كان هدفها إثبات الوجود والفعل فقط، لكن ما يجري الآن هو إيصال الرسالة بطريقة احترافية، وجودة عالية قل نظيرها".

واعتمد مخرج الفيديو على أخذ لقطات طويلة ومتوسطة وقصيرة من زوايا متعددة للحدث، ونوّع بين المشاهد السريعة والبطيئة لإبراز بشاعة عملية الحرق، "وهو ما أظهر قلبا متحجرا يقف خلف شاشة الحاسوب لاختيار المشاهد الأكثر قسوة لإبرازها".

ولعل أكثر ما لفت انتباه المخرج البناء الدرامي للفيديو، والتتابع، والتنقل بين المشاهد المختلفة ومواقع التصوير بشكل سلس، وأدى ذلك إلى حدوث تكامل وانسجام بين اللقطات وصولاً إلى معان مؤثرة تؤدي الرسالة من المشهد.

وأشار إلى أن أعمال التصوير والتركيب والجرافيك والمونتاج، إضافة إلى استخدام فلاتر الصور وتقنيات السينما خلقت عملا نوعيا وجديدا على التنظيمات الجهادية.