&عبد الله بن إبراهيم العسكر

في نظري أن التجديد يشكل وصلاً وانقطاعًا عن الموروث الفكري والكلامي والفقهي وغيرها كثير. وأنا أقول وصلاً وانقطاعاً، لأنني أميل إلى عدم الانقطاع عن التراكم التراثي، وفي الوقت نفسه لا أرى قدسية له.

&شهدتُ في قاعة ضيف الشرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والأربعين، مساء السبت 30/ يناير 2016 ندوة: تجديد الفكر الديني شارك فيها الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق والدكتور حسن حنفي، تقديم محمد الشحات الجندي. ثم أعقبتها ندوة أخرى لمناقشة كتاب "تجديد الفكر الديني" للكاتب نبيل عبدالفتاح.&

وكان المناقشون: الدكتور السيد ياسين والدكتور علي الدين هلال وزير الشباب الأسبق، والدكتور محمد بدوي، وأدار النقاش الصحفي محمد شعير.&

وقد تناول المناقشون في الندوتين الثريتين مستويات مختلفة عن التجديد الديني، وكذلك موضوع الكتاب. ولعل الدكتور السيد ياسين أقلهم تناولاً لأنه استغرق كلامه في الحديث عن كتابه الجديد: نقد الفكر الديني الذي نشرته دار عين مطلع عام 2016.

&

كثرت في العقود الأخيرة الكتابات التي تناقش تجديد الخطاب الديني والفكر الديني والعلوم الدينية، من باحثين داخل التخصصات الدينية وخارجها. ولعل كتاب محمد إقبال أول الكتب في العصر الحديث الذي عالج بشيء من التأصيل والاستفاضة مسألة تجديد الفكر الديني، ثم تبعه آخرون منهم: حسن الترابي، وأحمد البغدادي، وحامد ربيع، وزكي الميلاد، وفردين قريشي ومحمد حافظ منير الأزهري.

&ويرى أغلب من ألف في هذه المسألة أن تجديد الفكر الإسلامي، هو تجديد يتوجه ابتداءً إلى بنية العقل الإسلامي، ويأمل في إحداث تحولات في نظم التفكير والمقاربات المنهجية وآليات التفكير والبحث والمقارنة، ويستهدف إعادة النظر في بنية الموروثات الفقهية والفكرية، وذلك بهدف تطوير وتجديد العلوم الإسلامية النقلية والعقلية، وإعادة النظر في دراسة العلوم الدينية من زوايا متعددة، والسعي إلى مقاربات تاريخية وثقافية واجتماعية وفلسفية وسياسية.

&وكتاب نبيل عبدالفتاح الذي اقتنيته وقرأته بعد الندوة سالفة الذكر، يناقش الأصول التاريخية والسياقية لمسألة التجديد والإصلاح الديني وأسبابها وتطوراتها، وإبراز ماهية المتغيرات التي شملت هذه الدعوة القديمة الجديدة. ويقدم الكتاب تأصيلاً وافيًا، ورؤية حول مدارس التجديد ومشروعاته والقطب البنيوي في نسيجها، فضلاً عن مناقشة تاريخية لأسئلة تجديد الفكر والخطابات الإسلامية وضبط بعض المصطلحات والمفاهيم.

&ويطرح المؤلف العديد من الأسئلة والملحوظات، ولكنه في المقابل يتجنب اقتراح إجابات حاسمة للأسئلة أو تعليقات نهائية لملحوظاته.&

على أنه أشار في مقدمته إلى تاريخية وسؤال التجديد في الفكر الديني والخطابات الإسلامية، وأبرز المتغيرات التي أدت إلى جمود الفكر والخطابات الدينية. وفي المدخل يقوم الكاتب بضبط بعض المفاهيم والمصطلحات مثل مصطلح الخطاب وتطور دلالته ومعانيه، وكذلك مصطلح التجديد والفرق بينهما. والمؤلف يشير إلى العديد من المكونات على رأسها: القراءات الجديدة للأبنية والموروثات في علوم الفقه والكلام والإفتاء، وإنتاج منظومات من الأفكار والنظريات والمقولات والمفاهيم والمصطلحات الجديدة، التي تساعد على تجديد العقل والفكر ومن ثم الخطابات الإسلامية.&

وفي نظري أن التجديد يشكل وصلاً وانقطاعًا عن الموروث الفكري والكلامي والفقهي وغيرها كثير. وأنا أقول وصلاً وانقطاعاً، لأنني أميل إلى عدم الانقطاع عن التراكم التراثي، وفي الوقت نفسه لا أرى قدسية له. فهو في النهاية عمل بشري بحت. فالتجديد عملية متكاملة بين الأصول والمستجدات في المناهج والمصطلحات والمقاربات في العلوم الدينية واللغوية والإنسانية والاجتماعية، وبالتالي فالتجديد عملية تطوير دينامية وحيوية للهويات الثقافية الإسلامية، وهو ما يراه زقزوق وحنفي.&

ورأيت مؤلف الكتاب يحذر من الركون إلى الشعارات السياسية، والاكتفاء بالألفاظ والرموز، لأن هذا الصنيع يقود إلى اختزال فكرة التجديد إلى ألفاظ فارغة وأساليب مراوغة ومقاربات ملتبسة. وما ذهب إليه المؤلف صحيح لأن تجديد الخطاب الديني ليس حلاً سحريًا، وكل الكتب التي قرأتها في هذا الموضوع تشير إلى خطورة ازدواجية التعليم الديني والمدني، وأثر تلك الازدواجية على منظومة القيم المجتمعية، بل هي أحد مصادر الصراع والتوترات.

&وكثير من الإخفاقات في مسألة تجديد الخطاب الديني ترجع إلى عدم التفريق بين التوحيد والفقه وأصوله. والصدق أن التوحيد لا يحتاج إلى تجديد، بل لا يجوز المساس به. ما يحتاج إلى تجديد هو أصول الفقه، لأنه المدخل لتجديد مسائل الاجتهادات الفقهية المتراكمة على مر العصور. لم يعد مطلب التجديد في الفكر والتجربة الإيمانية الإسلامية محض مطلب نظري، وإنما ضرورة ملحة واستثنائية في هذه المرحلة المفصلية في واقع المسلمين الحالي.