عبدالرحمن الطريري&

كلما تأملت فيما تشهده المنطقة من اضطرابات وحروب زاد يقيني أن الإمبراطورية الأمريكية التي تتربع على عرش العالم، بكل غطرسة، بفعل القوة العسكرية، والاقتصادية، والمعرفية، وإتقان الألاعيب السياسية، والمراوغات، إنما تهدف إلى تمزيق المنطقة ونشر الفوضى فيها، واللعب على متناقضات اجتماعية لم تكن في يوم من الأيام ذات تأثير في الاستقرار والطمأنينة الاجتماعية التي تشهدها المنطقة. لكن محفزات السيطرة، واستغلال ثروات الشعوب جعلت المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين يرون في الفوضى مدخلا مناسبا لتحقيق أهداف الرأسمالية الجشعة.&

ما حدث في العراق من حرب مدمرة شنتها أمريكا، واحتلال بشع لم يحدث في يوم وليلة، بل سبقته دراسات، ونقاشات عميقة تؤدي في نهاية المطاف إلى تمزيق المنطقة، وإضعافها، ولذا بادر الاحتلال الأمريكي للعراق إلى بذر نبتة الطائفية المقيتة حين أوجد نظاما سياسيا قائما على المحاصصة الطائفية لإيجاد مناخات الفتنة، والحروب، ثم تتوسع دائرتها لتشمل أوطانا أخرى، ويمتد حريق الطائفية. وأتذكر أنه عندما أطبق عراقيو إيران على الحكم خرج حسن نصر الله معبرا عن ابتهاجه، وغبطته، حيث قال حينها لقد قوي نفوذنا في المنطقة بزوال نظام صدام ومجيء نظام موال لإيران.&

أثناء قراءتي لكتاب "العراق أرض النبوءات والفتن" استوقفتني مجموعة من النقاط التي كانت محل نقاش داخل البيت الأبيض، أولاها أن ضرب العراق، وتغيير نظامه كان هدفا استراتيجيا، لكن يلزم البحث عن المبررات المقبولة عالميا، التي تظهر أمريكا بصورة حسنة، وليست عدوانية، ولذا أثناء بلورة المبررات والبحث عنها اقترح مستشارا البيت الأبيض وولفويتز، وبيرل أن هجمات 11 سبتمبر فرصة لضرب العراق خدمة لهدف السيطرة على المنطقة، لكن البحث عن علاقة تربط النظام العراقي بالحدث أثبت عدم وجود ذلك، إضافة إلى أنه لا علاقة لنظام صدام حسين بتنظيم القاعدة.&

الأفكار الشريرة لم تتوقف، بل إنه قبل خطاب الاتحاد لعام 2003 رأى كبير كتاب خطابات الرئيس بوش الابن مايكل جيرسون ضرورة تضمين الخطاب فقرة أو فقرتين تفتح ملف الحرب على العراق بمبررات أكثر وجاهة، حتى أن ورقة إظهار صدام بالمستبد تمت مناقشتها لكنها رفضت نظرا لوجود مستبدين آخرين لم تشن أمريكا الحرب عليهم، وتم الاستشهاد بستالين الذي فاق كل مستبدي التاريخ، ومع ذلك لم تتحرك أمريكا لمواجهته.

&العودة إلى استخدام صدام الأسلحة الكيماوية، ومحاولة إبرازها في خطاب الرئيس بوش الابن طرحت، لكنها رفضت، لعدم وجاهتها، إذ مضى عليها زمن، وفيها قدح في الإدارة الأمريكية القائمة في حينه، وهي فترة الرئيس ريجان، ونائبه بوش الأب، إلا أن فكرة محور الشر اعتمدت لتكون أساسا يتم الردح عليه سياسيا، وإعلاميا لفترة، حتى إذا تمت تهيئة المسرح الدولي ومن خلال هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، إضافة إلى الظروف الإقليمية خاصة على مستوى الأنظمة، تُقدِم أمريكا على تنفيذ خطتها.&

محور الشر الذي يدخل فيه العراق وإيران أصبح المنطلق الذي يتم من خلاله فتح ملف الحرب على العراق، وبهدف صرف النظر عن استهداف الدول الإسلامية رأى المستشارون إدخال كوريا الشمالية، لكن الغريب أن أمريكا استهدفت العراق دون إيران وكوريا الشمالية، مع أن الأخيرة فيها نظام استبدادي شرس، إضافة إلى امتلاكها أسلحة الدمار الشامل، أما عدم استهداف إيران فيفسره الدور الذي قامت به في مساندة أمريكا في حربها على أفغانستان، حتى أن ألوية إيرانية سبقت القوات الأمريكية في دخول كابل. كما أن دورها والمحسوبين عليها من العراقيين في احتلال العراق كشفت أوراق التواطؤ الإيراني في تنفيذ المخطط الأمريكي الذي يستهدف ضرب المنطقة، خاصة الدول التي تمانع فرض الثقافة الغربية على شعوب المنطقة، والوقوف في وجه ما يسمى الشرق الأوسط الجديد.&

الدور الإيراني في تفتيت المنطقة تكشفت صورته في الحرب التي تشنها على الشعب السوري في سعي حثيث للإبقاء على نظام مستبد يمارس القتل، والتعذيب، ما يؤكد النزعة الطائفية النتنة، وهذا يتناسب مع مصلحة أمريكا التي وجدت في إيران حصانا رابحا ليقوم بدور جندي المنطقة المطيع.&

الخطة الأمريكية لا تتوقف عند العراق وسورية، بل إن ملفات الدول الأخرى المراد تفتيتها جاهزة، وفيها معلومات تمثل حقائق، أو أكاذيب توظف لتبرير الدول المستهدفة، وكما حدث للعراق من تدمير بني على أكاذيب تم تسويقها إعلاميا، وسياسيا بشكل متقن، ويمكن فتحها في أي وقت، وفق المستجدات، وبما يخدم هدف الشرق الأوسط الجديد.