عبدالله العوضي
&
ماذا فعلت الإمارات بالحكومات في قمتها بالأمس؟ فقد كرّمت أولاً العالم فيها وأتت بكل ما فيه من عقول الخبرات والتجارب الرائدة والمتجهة نحو آفاق المستقبل بكل ثقة واقتدار.
&
اختارت أفضل وزير في العالم من أستراليا، بسبب إنشائها «الجيش الأخضر» لزراعة 20 مليون شجرة، في الوقت الذي تملأ العالم الثالث جيوش حمر لم يتركوا لوناً ناصعاً في الوجود إلا وقد حولوه أحمر قانياً من دماء الأبرياء المضحى بهم في الحروب الأهلية، وغيرها من أنواع الفتن.
&
هذا وقد نحّت الإمارات نفسها جانباً عن المنافسة العالمية لضمان النزاهة والحياد والتواضع الجم في دار الكرام، فقد تركت العالم يختار منافسيه بعيداً عن الدفع بالوزراء من الإمارات، ومنهم فعلاً من يستحق نيل شرف العالمية، إلا أن الإمارات دأبت على وضع الأمور في نصابها مع نفسها أولاً ومع الآخرين تالياً.
وكان ختام هذه القمة العالمية للحكومات في الإمارات مسكاً خالصاً محلياً، حيث خرّجت أمرين غير اعتياديين، كما عودتنا دائماً حكومتنا الرشيدة في مثل هذه الأحداث الضخمة.
&
لأول مرة في تاريخ دولة الإمارات يكون العالم كله حاضراً وشاهداً عياناً على هيكلة الحكومة الاتحادية الجديدة، وكذلك الإعلان في الوقت الذي حدده بوراشد، وهو في الساعة الخامسة عصراً من يوم الأربعاء الموافق 10-2-2012 بالدقيقة والثانية، وليس في الجرائد الرسمية والصحف المحلية، بل عبر «تويتر»، أشهر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي بلغ فيه متابعو سموه في ذلك الحدث أكثر من عشرة ملايين من البشر في شتى أنحاء المعمورة، شهدوا جميعاً حكومة المستقبل للدولة الاتحادية.
&
هل نما إلى عِلْم أحد الإعلان عن حكومة مستقبلية بأسلوب المستقبل الواعد؟ هل تم ذلك في غير الإمارات؟ دلّونا إن كان لهذا الفعل السياسي الكبير شبيه في أي دولة في الأرض.
&
هل سمعتم عن رجل فعله يسبق قوله، وقوله يطابق فعله، وخاصة في العظام من الأمور والضخام من الفعال، وقد أعجزت وأتعبت تطلعاته ورؤيته، التي سطرها قبل سنوات في سفر عظيم، من بعده، أفراداً وحكومات.
&
ماذا قدم بوراشد للدولة من خلال هذه التشكيلة الجديدة على الهواء أو الفضاء الإلكتروني؟ قدم حكومة أولها سعادة وأوسطها سماحة وآخرها مستقبل الآفاق الواعدة بكل جدارة واقتدار.
&
ما هو المطلوب فعلاً من هذه الحكومة الجديدة، وهي تفيض حيوية العشرين من أعمار بعض الوزراء وخبرات الأعمار المتجددة الأخرى بهذا الدمج بين الشباب رجالاً ونساء ومنتصفي الأعمار؟ إنها حكومة معدل أعمار مستوزريها لا يتعدى الثلاثينيات في مرحلتها الحالية، وهي التي ستعبر بسفينة الاتحاد بوقود من طاقاتها المتجددة في عصر ما بعد النفط بالدولة.
&
فالحمل ثقيل، ولكن الأمل في إيصاله إلى بر المستقبل عريض، وذلك بعرض الطموحات التي تسعى الدولة إلى تحقيقها على الأرض بأدوات من تقبل كل التحديات السياسية والاقتصادية والعالمية، ليس على المستوى المحلي، بل هي كذلك مع البعد الإقليمي والعالمي.
&
ويجب العِلم بأننا لسنا وحدنا في مهمة المستقبل المنشود بالدفع بكل الحشود نحوه، لأن البوصلة في الإمارات واضحة وأذرع التقنيات الحيوية وغيرها متوفرة عبر الحكومة الذكية التي آلت على أن تنثر بذور السعادة في أرضها اليوم وقبل الغد، حتى تثمر شجرها، لتظلل رؤوس الأجيال القادمة وتحميهم من غدر الزمان بغرس الأمان والاستقرار من الآن.
&
وهذا الوضع السعيد ليس للمواطن فقط، وإن كان هو في سلم أولويات اهتمام الحكومة، وإنما ركن التسامح له دور في شمول كل ساكن على أرضها من مقيم للعمل، أو سائح باحث عما يشبع رغبة الفضول لديه، أو عابر يلقي برحاله في الدولة لساعات ومن ثم يغادرها إلى وجهته، فلابد أن يصله شعور بأن هذا الشعب سعيد ومتسامح مع الآخرين مهما كانوا مختلفين لوناً وجنساً وديناً وطائفة، فهنا لابد وأن تذوب الفوارق بين البشر وتنصهر في بوتقة المستقبل الذي يسع الجميع كلاً حسب حاجته.
&
نسأل بعض العاملين بالدولة، ولسنوات طويلة نسبياً، عن سر استمرارهم في العمل هنا، رغم وجود فرص «ذهبية» أخرى في أي مكان، وإن كانت أميركا أرض أحلام الكثير من البشر، فما السر في ذلك يا ترى؟ هذا ما نحتاج في المرحلة المقبلة استطلاعه ونشره.
&
فعلى المستوى الشخصي، يقول البعض بأن هذا المكان، الوطن الثاني، لا يختلف في انشدادنا إليه عن الوطن الأصلي، إن لم يفقه في كثير من احتياجات الحياة الإنسانية.
&
فشعور هؤلاء بأنهم في الإمارات في دارهم وليسوا بأغراب عنها، موجود منذ عقود، ولكن جاء اليوم وقت استثمار ذلك مؤسسياً ومحلياً، وهو ما تسعى الدولة بحكومتها المستقبلية التي تزداد مع الأيام شباباً وحيوية ونضجاً لبناء منظومة متكاملة من القيم التي تقود المجتمع نحو السعادة الدائمة والتسامح المستدام محلياً وإقليمياً وعالمياً، ومستقبل مشرق بآفاقه الرحبة للدار والجار وكل من يحب العمار وينبذ الدمار.