إدريس لكريني

تعتبر المشاركة السياسية وسيلة مهمة لممارسة الحقوق السياسية في مختلف تجلياتها، وهي تتنوع بين الاهتمام بالشأن العام وبلورة المواقف السياسية، ثم الانخراط في الأحزاب لتتطور إلى ممارسة النشاط السياسي بانتظام أو تقلد مسؤوليات ومهام سياسية..
وهي بهذا الشكل حق وسلوك مبني على الحرية في الاختيار، ويفترض أن تكون لها تأثيرات وانعكاسات على صناعة القرار العمومي في مختلف تجلياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. إنها وسيلة لإبداء الرأي تجاه مختلف القضايا، ومدخل لممارسة عدد من الحقوق، وسبيل للإسهام في تطور المجتمع وتحسين الظروف المعيشية.. وآلية لإبراز الذات والمؤهلات..
تقتضي المشاركة السياسية وجود نوع من التأثير المباشر أو غير المباشر الذي يمارسه المواطن في مسار السياسات العامة والقرارات وتوجهاتها محلياً ووطنياً، والقدرة على اختيار جزء من النخب الحاكمة، ومناقشة ومواكبة مختلف القضايا السياسية..
إن المشاركة التي تتم ضمن شروط قانونية وسياسية سليمة وبناءة، غالبا ما تدفع نحو الاندماج داخل المجتمع وتسمح بتجاوز العلاقة المتوترة التي يمكن أن تسود بين المواطن وصانعي القرار إلى علاقة مبنية على الحوار والتواصل..
تسمح المشاركة السياسية للأفراد بممارسة حقوقهم السياسية في جو سليم وعلني، في إطار من الضوابط والقوانين المعمول بها، بما يحقق الاستقرار داخل هذا المجتمع ويحول دون بروز سلوكات منحرفة وعنيفة يمكن أن تقودها بعض القنوات التي تشتغل في السّر بصورة تهدّد مقومات المجتمع وأمنه.
وتتباين أشكال وصور المشاركة، فهي تتدرج من الاهتمام المرحلي بالشأن السياسي بحسب الظروف والمصالح الآنية، إلى الانشغال بالشأن السياسي ومستجداته بشكل منتظم ودائم، وصولا إلى الانخراط الفعلي في العمل السياسي ومؤسساته..
وجدير بالذكر أن هناك مجموعة من العوامل التي تتحكم في حجم هذه المشاركة، فهناك الحملات السياسية التحسيسية والتحفيزية التي تقودها وسائل الإعلام المختلفة أو تلك التي تقودها الأحزاب السياسية.. كما أن المستوى الثقافي والتعليمي والاجتماعي للفرد (مستوى الدخل، والسن، والجنس، والمهنة..) كلها عوامل تؤثر بشكل ملحوظ في هذا الشأن..
كما لا يخفى أثر الثقافة السياسية السائدة في هذا السياق، ذلك أن المجتمعات التي يتجسد فيها الشعور بالمواطنة، تعرف مشاركة متزايدة في الحياة السياسية، مقارنة مع الدول الشمولية التي تعرف إشكالات مرتبطة بتدبير التنوع والاختلاف المجتمعيين..
إن المشاركة السياسية الفاعلة متى توافرت شروطها ومقوماتها، تنمي الشعور بالثقة والأمل لدى المواطن، وترسخ نوعاً من التواصل البنّاء بين المواطن وصانعي القرار، كما تعطي مدلولاً إيجابياً لأداء المؤسسات والقنوات السياسية والحزبية وتسمح بتوفير مناخ من الاستقرار داخل المجتمع.


إن دعم المشاركة وتجاوز التبعات السلبية للعزوف السياسي والانتخابي اللذين أصبحا يطبعان الحياة السياسية لعدد من دول المنطقة في السنوات الأخيرة، يتطلب مقاربة شمولية تقف في مضمونها على مختلف العوامل التي تغذيهما.


ذلك أن الأمر يظل متوقفاً في أحد جوانبه على وجود شروط موضوعية وإمكانيات دستورية تسمح للأحزاب السياسية بتطبيق برامجها والوفاء بالتزاماتها التي تقطعها على نفسها أمام الناخبين من داخل المجالس التمثيلية المحلية والبرلمان والحكومة..
تتعدد وسائل المشاركة السياسية بين ما هو تمثيلي وتشاركي، وتعتبر الانتخابات آلية رئيسية ضمن الممارسة الديمقراطية، فهي تسمح باستشارة المواطنين واستحضارهم في صناعة القرارات. وتختلف هذه الآلية من حيث أهميتها ونجاعتها من دولة إلى أخرى، إذ تتحكم في مسارها طبيعة النظام السياسي القائم والثقافة السياسية السائدة، علاوة على الضوابط القانونية التي تؤطرها ومدى فاعلية الأحزاب السياسية ومختلف القنوات الوسيطة الأخرى..
إنها تمثل إحدى أهم السبل الديمقراطية التي يتمكن عبرها المواطنون من اختيار ممثليهم في مختلف المؤسسات ومراكز القرار السياسي محلياً ووطنياً. فهي أداة لتجديد النخب السياسية وتحقيق التداول على السلطة، وتعزيز المشاركة السياسية، الأمر الذي يفرض مرورها في أجواء سليمة وشفافة، تحترم إرادة ورغبة الناخبين.


لا تخفى أهمية إجراء انتخابات تنافسية ونزيهة وشفافة تدعم احترام إرادة المواطنين في البناء الديمقراطي وهو ما تؤكده الكثير من التجارب الديمقراطية الدولية الرائدة. لكن الاعتماد على هذه الآلية كمعيار أو مؤشر أساسي ووحيد لتقييم أداء ووضعية الأنظمة السياسية، ينطوي على قدر من المبالغة أحيانا، وبخاصة وأن الكثير من النظم السياسية الشمولية، تعتمد انتخابات شكلية متحكّم في نتائجها مسبقا، عبر مختلف الآليات السياسية والتقنية والقانونية، أو لاحقا عبر تزوير النتائج ونسب المشاركة.. بما يفرغها من أهميتها ويجعلها أداة لإنتاج نفس النخب، أو آلية لإضفاء الشرعية على «الزعيم» أو الحزب الواحد المهيمن..
إن الرهان على آلية الانتخاب كمدخل لتعزيز المشاركة السياسية، وتطوير الممارسة الديمقراطية وتجاوز مظاهر الهيمنة والاستبداد، يتطلب توافر مجموعة من الشروط، ترتكز بالأساس على وجود إرادة سياسية تدعم هذا الخيار، واعتماد آليات قانونية وتقنية تسمح بمرور هذه الاستحقاقات في أجواء سليمة وسلمية وشفافة، وقبول الأطراف المتنافسة بقواعد اللعبة المتاحة في هذا الشأن.


إن كسب رهان المشاركة السياسية، يفرض إتاحة الفرص لمختلف النخب والكفاءات لتصل إلى مراكز القرار في إطار من المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص بناء على الخبرة والكفاءة، وتجاوز أسلوب الأحادية في التدبير..
تكتسي العملية الانتخابية - كآلية للمشاركة السياسية - أهمية كبرى، وبالخصوص إذا تمت في جو من المسؤولية والشفافية والنزاهة، فهذه الشروط هي الكفيلة بإفرازها لنخب على قدر من الكفاءة والمصداقية، وبدعم مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية، خصوصا وأن المشاركة السياسية لهذه الفئة ظلت متدنية بشكل عام في مجمل دول المنطقة ولا تعكس حجم عطاءاتها في مختلف الميادين والمجالات.


إن نزاهة الانتخابات المحلية منها والتشريعية، يمكن أن توفّر مجالس ومؤسسات قادرة على رفع التحديات بمختلف أشكالها، بما يجعل منها آلية لترسيخ المصالحة بين المواطن من جهة والشأن السياسي والانتخابي من جهة أخرى، ووسيلة لتعزيز الممارسة الديمقراطية وتحقيق التنمية.