&&اسكندر الديك

شهد «مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي» تبادل كلمات «ساخنة»، بل و «ساخطة» أحياناً، بين كبار ممثلي الدول المشاركة فيه، إثر الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة الروسية دميتري ميدفيديف واستهلها برشق الاتهامات على الآخرين وإرسال إشارات التحذير إلى أكثر من دولة وطرف.

وبعدما أعرب ميدفيديف عن انطباعه بـ «وجود حرب باردة جديدة» ضد بلده، وتحدث «عن وجود علاقات سيئة مع الاتحاد الأوروبي»، تطرق إلى الوضع السوري، فدعا إلى «الحفاظ على سورية موحدة، لأن تفتيتها على أساس طائفي سيكون كارثياً لكل منطقة الشرق الأوسط». وانتقد في هذا المجال إعلان المملكة العربية السعودية استعدادها لإرسال قوات إلى سورية، قائلاً: «ليس على أحد أن يهدد بإرسال قوات برية». وإذ اعتبر «الرئيس السوري بشار الأسد ضماناً للسلم»، حمّل الغرب مسؤولية اندلاع الحرب في سورية «بسبب تدخله فيها، ما أدى إلى تحولها حرباً أهلية». ونفى قصف المدنيين السوريين قبل أن ينفي أيضاً أن بلاده تحاول تحقيق أهداف سرية في سورية، قائلاً إنها تريد «منع المتشددين» من الانتقال إليها، على أساس أن قسماً من هؤلاء الذين يقاتلون في سورية إلى جانب جماعات متشددة، هم أصلاً من منطقة القوقاز.

وردّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري على ميدفيديف في كلمته قائلاً: «الحرب الباردة انتهت، ولكننا لا نزال اليوم بحاجة إلى العزم والقيم السابقة ذاتيهما». وحض كيري موسكو على إعادة النظر باستراتيجيتها العسكرية في سورية، مشيراً إلى «أن القسم الأكبر من الهجمات الروسية تتم على مجموعات المعارضة المشروعة». وقال إن المطلوب من روسيا «التركيز على أهداف أخرى للإفساح في المجال أمام التنفيذ الفعلي لاتفاق وقف إطلاق النار الجديد». وتوجه إلى ميدفيديف قائلاً: «هذه هي اللحظة الملائمة لوقف الحرب هناك (سورية)».

بدوره دعا رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس، موسكو إلى وقف قصف المدنيين في سورية، قائلاً إن ذلك أمر ضروري من أجل تحقيق السلام وأضاف: «فرنسا تحترم روسيا ومصالحها لكننا نعلم أن من أجل إيجاد الطريق نحو السلام، ينبغي أن يتوقف القصف الروسي للمدنيين». وحذر زملاءه الأوروبيين من أن المشروع الأوروبي «قد يعود إلى الوراء أو حتى يختفي إذا لم نكن حريصين، وإذا لم تُظهر أوروبا أن بمقدورها الاستجابة ليس فقط للتحديات الاقتصادية، وإنما أيضاً للتحديات الأمنية لأن الشعب لن يعود راغباً به بعد الآن».

واعتبر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند تنظيم «داعش» بأنه «أحد مظاهر موضة الإسلام المتطرف»، لافتاً إلى عدم سهولة إزالة الأصولية التي تقف وراءه. وأضاف أن المرء «يسخّر طاقاته من أجل مكافحة ظواهره ويترك جانباً المشكلة الفعلية الكامنة فيه». وكرر جملة قالها نظيره الأميركي كيري، وهي أن «التطرف العنفي يتزايد عند انتفاء الأمل».

وألقى كل من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ينس ستولتنبرغ، والرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، وممثلو بولندا ودول البلطيق كلمات هاجموا فيها روسيا بشدة إلى حد وصف قادتها بالكذب والتحضير لغزو بلدانهم والتغلغل داخل أحزاب وتنظيمات وجماعات لزرع الشقاق والخلافات الداخلية بهدف أضعافها.

إلى ذلك، أوضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لصحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» الألمانية الصادرة أمس، أن الرئيس السوري بشار الأسد «لن يحكم سورية في المستقبل، وأن التدخلات العسكرية الروسية لن تساعده على البقاء في السلطة». وقال: «لن يكون هناك بشار الأسد في المستقبل (...) قد يستغرق الأمر ثلاثة أشهر وقد يستغرق ستة أشهر أو ثلاث سنوات، ولكن لن يتولى المسؤولية في سورية». كما انتقد مشاركة روسيا في الحرب الدائرة منذ خمس سنوات، قائلاً «إن تصميم الشعب السوري على إسقاط الأسد ثابت رغم الغارات الجوية الروسية العنيفة والاضطهاد داخل سورية». ورأى أن دعوة الأسد لكل من إيران و «حزب الله» وميليشيات شيعية من العراق وباكستان لمساعدة قواته لم تُجد كلها، مضيفاً: «والآن دعا الروس، ولكنهم لن يستطيعوا مساعدته أيضاً».

وعن إمكان تدخل قوات سعودية برية في سورية، قال الجبير إن مثل هذه المناقشات «تجري حالياً بين الدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة» ضد تنظيم «داعش»، مشيراً إلى أنه «إذا قرر التحالف نشر قوات خاصة في القتال ضد التنظيم في سورية، فإن السعودية ستكون مستعدة للمشاركة».

واعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن المجتمع الدولي «تأخر كثيراً حتى توصل إلى اتفاق في ميونيخ حول سورية، وأن كل ذلك كان على حساب الشعب السوري». وقال لتلفزيون «دويتشه فيلله» الألماني، إن الحلول السياسية هي الأمثل، ودعا إلى تناول موضوع محاربة الإرهاب بصورة شاملة، محذراً «من مكافحة تنظيم وترك تنظيمات أخرى هي في الخطورة ذاتها».

وكانت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين كشفت في كلمة افتتاح المؤتمر التي ألقتها يوم الجمعة عن وجود فكرة تعاون مع فرنسا للمساعدة على تدريب القوات المسلحة السورية الجديدة عقب نجاح عملية السلام وتشكيل حكومة سورية جديدة، قبل أن تضيف: «لكن الطريق لا يزال بعيداً، ومع ذلك من الممكن البدء بالمرحلة الأولى الآن». وأشارت إلى أن الجيش الألماني يمكنه تدريب لاجئين سوريين في مئة مهنة، مثل تدريب الفنيين في مجال الكهرباء، ومياه الشرب، وإطفاء الحرائق وأعمال التشييد. وقالت الوزيرة الألمانية: «عندما ننظر إلى التدمير الهائل في حلب نعلم جميعاً أن إعادة الإعمار لن تحتاج فقط إلى أحجار جديدة للبناء، بل أيضاً إلى أشخاص لديهم تفاؤل وقدرات متنوعة».