&سمير السعداوي

في أوائل آذار (مارس) الماضي، أعلن سرتاج عزيز مستشار الشؤون الخارجية للحكومة الباكستانية أمام مجلس الشؤون الخارجية في واشنطن، أن بلاده تقدم ملاذاً آمناً لقادة «طالبان» الأفغان. بهذا الإعلان، كان عزيز يكشف سراً لطالما كان موضع شكوك ولم تعترف به إسلام آباد قط، وكأنه كان بذلك يحرق ورقة احتفظت بها باكستان لتعزيز هامش المناورة لديها إقليمياً.

سرعان ما تبيّن بعدها أن عزيز كان يلقي ورقة محروقة أصلاً، إذ تسربت معلومات عن أن قياديي «طالبان» تداعوا الى مغادرة الأراضي الباكستانية مع عائلاتهم، الى الداخل الأفغاني، الأمر الذي عزاه مطلعون الى تردي العلاقة بين إسلام آباد وزعيم الحركة الملا أختر منصور الذي كان اختير في تموز (يوليو) 2016، خلفاً لمؤسس «طالبان» الراحل الملا عمر.

بالفعل لم تتمكن باكستان من استخدام «نفوذها لدى طالبان» الذي تحدث عنه عزيز أمام مجلس الشؤون الخارجية الأميركي، لإقناع الحركة بالدخول في محادثات سلام مع كابول تحت مظلة أميركية، بل على العكس، جنحت «طالبان» الى التشدد وأرفقت تصعيد عملياتها العسكرية في أفغانستان، بإعادة تأكيد مطالبتها بانسحاب القوات الأميركية من البلاد ورفضها التفاوض تحت نير الاحتلال الأجنبي.

قد تكون تلك مقدمة بسيطة لشرح ملابسات استهداف الملا منصور بضربة أميركية على الأراضي الباكستانية «على أثر عودته من زيارة لإيران»، هذا إذا صحّ ما تم تسريبه عن زيارته إيران أو عن مقتله أساساً، ذلك أن القيادة الباكستانية التي لا تستطيع تحمل تبعات اتهامها بالتواطؤ في مقتل زعيم «طالبان» قد تلجأ الى تلفيق خبر عودته من إيران لتسويق ذلك في أوساط قواعدها الشعبية المتشددة، إضافة الى أنها تحتاج الى التشكيك في أن الضربة الأميركية استهدفت عمق الأراضي الباكستانية أساساً، وذلك تحسباً لتكرار سيناريو استهداف زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في أيار (مايو) 2011 في بلدة قريبة من العاصمة الباكستانية، الأمر الذي بالكاد تمكنت إسلام آباد من التنصل من تبعاته، في ظل اتهامات وجهت إليها بالتواطؤ في العملية التي نفذها «كوماندوس» أميركي.

وإذا كانت إحدى أبرز نتائج غياب مؤسس «القاعدة» عن الساحة «الجهادية» (إذا جاز التعبير) هي تقوية شوكة مجموعات موغلة في الإرهاب والتطرف مثل «داعش» وزعيمه «المريب» البغدادي، فإن غياب الملا منصور لا يقارن بأي حال بفقدان بن لادن أو الملا عمر، ذلك ان الخليفة المرجح لزعامة «طالبان» سراج الدين حقاني، نجل القيادي المعروف للمجاهدين الأفغان الملا جلال الدين حقاني، هو من الشخصيات الأكثر تمرساً وخبرة وعلاقات في الأوساط البشتونية على جانبي الحدود الباكستانية - الأفغانية.

وثمة من يعتقد أنه في حال اختيار سراج الدين حقاني لزعامة «طالبان»، تكون النزعة الى مواصلة الحرب ضد القوات الأميركية والسلطات الأفغانية قد انتصرت على الدعوات الى السلام والتفاوض، خصوصاً إذا علمنا أن حقاني - الابن، من أبرز المطلوبين على لائحة الإرهاب الأميركية ورصدت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار من أجل إلقاء القبض عليه، وهو بذلك يختلف جوهرياً عن شخصية الملا منصور وآخرين في الحركة.

كذلك فإن حقاني يتمتع بعلاقات جيدة مع الحركات الكشميرية والأوساط «الأصولية» داخل الأجهزة الباكستانية (مع التركيز على الفارق بين كلمة أصولية ومتشددة)، ما يعني أن قيادته «طالبان» ستعيد وضع الحركة على خارطة الداعمين الرئيسيين للمواجهة مع الهند.

إن قراءة بسيطة للتبعات المتوقعة لاغتيال الملا منصور، إذا تأكد، تقود الى استقراء ملابسات استهدافه.