&&خلف الحربي

لو أن ربع الذين فجروا أنفسهم في المساجد وأسواق الخضار ومواقف الحافلات في العالم العربي ضحوا بحياتهم دفاعا عن فلسطين لأصبحت مشكلتنا اليوم تنحصر في تنظيم تزاحم المصلين في ساحات المسجد الأقصى، ولكن إسرائيل ليست إلا عدوا افتراضيا للتنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام شعارا لها مثلما كانت عدوا افتراضيا للأحزاب القومية والعربية فيما مضى من الزمان.. فالبندقية موجهة أبدا نحو الداخل القريب بينما الهتافات التي لا تكلف شيئا مركزة كلها على تحرير فلسطين ومحو إسرائيل من الوجود!

وشيئا فشيئا ازدحمت المقابر بالشهداء (الافتراضيين) الذين سقطوا في الطريق (الافتراضي) لتحرير فلسطين، المعلم العجوز قتله ابن الجيران.. وزوجة النجار تفحمت جثتها بسبب سيارة مفخخة.. وتلميذة الابتدائية قضت نحبها بعد تبادل سريع لإطلاق النار في نهاية الشارع.. والشحاذ الذي اعتاد أن يجلس أمام المسجد تناثرت أشلاؤه بعد تفجير المسجد وكل ما فيه من المصلين.

وهكذا بعد قوافل مهيبة من الشهداء لم نصل إلى غزة بل هي التي جاءت إلينا.. أصبحت مصيبة الكثير من مدن العرب وقراهم أسوأ حالا من غزة، على الأقل غزة تعرف اسم عدوها الغاصب وتحفظ ملامحه وتقاومه بكل ما تملك من إرادة ولكن الغزات العربية لم تعد متأكدة من هوية من يحتلها ويدمرها ويسرقها ويحرقها لأنه يتغير بشكل يومي، لذلك يكاد أن يكون صدى العدوان الإسرائيلي على غزة معدوما لأن المدن والقرى المدمرة والمحروقة والمذعورة والقلقة مشغولة بجرد أسماء الشهداء الافتراضيين الذين قتلوا بعضهم البعض من أجل تحرير فلسطين.

ومع تزايد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة يزداد رواج بضاعة المزايدين والمطبعين على حد سواء.. ففي مدن كلها غزة يحتاج المطبع أن نتذكر غزة كي يقتل كل من حوله باسم غزة، بينما يحتاج المطبع أن ننسى غزة تماما كي يتفرغ لقتل كل من حوله بعيدا عن هم غزة.