&محمد خلفان الصوافي&

&
ليست مقنعة تصريحات المتحدث باسم وزير الخارجية الإيراني، بهرام قاسمي، حول انتهاء روسيا من استخدام قاعدة «همدان»، حيث كانت روسيا قد أعلنت قبل أسبوع انطلاق عملياتها العسكرية ضد تنظيم «داعش» في سوريا. وما يمكن أن يكون مقنعاً ومفهوماً هو أن الأمر لم يعد معلناً كما فعلت روسيا وكان لافتاً للمراقبين، وبالتالي كان من الطبيعي أن يثير رد فعل دولياً سلبياً على روسيا، من عدد من الدول في العالم، سواء على روسيا أو إيران التي ما زالت تعاني الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها.

المسألة بالنسبة إلى الكثيرين لم تبح بعد بكل الأسرار والنوايا، وإعلان روسيا عن الحصول على موطئ قدم لها في منطقة الخليج لا يخلو من إشارات باعتبارها مقدمة لتحقيق طموحات مشتركة لها ولإيران، لأن التعاون العسكري أساساً موجود بينهما منذ زمن، والجديد هو تسليم القاعدة إلى روسيا بشكل مفاجئ، وإعلان إيران عن انتهاء استخدام القاعدة حصل فجأة كذلك، ما يعني أن هناك الكثير من الأشياء، بين الإعلانين المذكورين، التي تستحق التأمل والمناقشة من جانب المراقبين والمراجعة من قبل السياسيين حول مستقبل التعامل مع النظام الإيراني في ما يخص المنطقة والتسهيلات التي يقدمها إلى القوى الدولية على أرضه.

&

لا شك أن الأمر يثير شكوكاً ويطرح تساؤلات، ولا يمكن بأي حال التصديق أن المسألة كلها متعلقة بالحرب على تنظيم «داعش»، وإن كان الأمر مهماً لهذه الناحية.
فالحدث هو منعطف استراتيجي كبير، وربما ستكون له آثار وتداعيات على الاستقرار الإقليمي في المنطقة خلال الأشهر والسنوات المقبلة، وبالتالي فإن حالة هدوء صناع القرار التي صاحبت الإعلانين، الإعلان عن منح إيران قاعدة همدان لروسيا والإعلان عن انتهاء العمليات الروسية انطلاقاً من القاعدة، لا تعني تلك الحالة عدم وجود نوع من القلق حيال ما جرى، بقدر ما تعني حالة الصدمة التي يعيش فيها الكثيرون، بمن فيهم الإدارة الأميركية التي راهنت على تحول إيران إلى دولة طبيعية! لذا فإن ذلك التطور سيساهم خلال الفترة القادمة في الدفع نحو مزيد من التوتر وعدم الثقة بالعلاقة الأميركية مع البلدين (إيران وروسيا).

إيران وروسيا تلجآن دائماً في تعاملهما الدولي إلى حالة من الغموض والسرية، وفي أحسن الأحوال تستخدمان إشارات متناقضة في الإعلان عن التعاون أو عن إنهاء أي جهد مشترك. وإذا كان هذا الأسلوب صفة ملازمة لسياسة النظام الإيراني باعتبارها جزءاً من تركيبته الذهنية والأيديولوجية الخاصة، فإن روسيا خدعت المجتمع الدولي قبل فترة بسيطة عندما أعلنت سحب قواتها من سوريا، لكن مع مرور الوقت اكتشف المجتمع الدولي خداع روسيا عندما رفعت مستوى مشاركتها في الحرب، وبالتالي فإن أية محاولة لفهم ما يحدث لن تأتي بنتيجة يقينية في الأجل القريب.

موضوع قاعدة «همدان» سيكون مادة خصبة للباحثين الذين «يستفزهم» غموض الجانبين الروسي والإيراني، كما أنه سيمثل مادة لتوسعة «الابتزاز السياسي» للغرب في المنطقة، لحين ظهور الكثير من الحقائق على السطح، أبسطها إعادة تقسيم المنطقة سياسياً وفق نظام التنافس الدولي، على غرار ما كان عليه الوضع أثناء فترة الحرب الباردة.

لقد فشل «الاتحاد السوفييتي السابق» (بقيادة روسيا) في الوصول إلى مياه الخليج من خلال أفغانستان، وبالتالي فإن وجود روسيا اليوم في إيران هو تأكيد أنها حققت الهدف، حتى ولو صرح المسؤولون الإيرانيون بأنه لم تعد هناك عمليات عسكرية روسية انطلاقاً من همدان. وعلى هذا الأساس فالأمر لا يعني العودة إلى ما قبل قاعدة «همدان»، بل الواقع هو بداية لعلاقة استراتيجية بين البلدين أكثر قوة ومتانة، مبنية على مصالح وتفاهمات. وبالتالي فإن الرسالة الروسية إلى إدارة أوباما وغيرها من الدول هو أنها باقية في منطقة الشرق الأوسط ولن تغادرها بسهولة.

من الواضح جداً الآن، أن إيران تريد من تلك الخطوة مساومة الغرب وابتزازه سياسياً، كما هي عادتها دائماً، بعد أن تأكد لها فشل الاتفاق النووي مع الغرب. وفي المقابل يبدو أن الغرب بدأ يقتنع بأنه من الصعوبة بمكان أن يكون النظام الإيراني إيجابياً مع المجتمع الدولي، ومن ثم فهم يبحثون عن حليف استراتيجي يساعدهم في الحصول على امتيازات الاتفاق النووي، بل إن دبلوماسية تأزيم المنطقة هي نهج إيران عندما تكون في مأزق سياسي، فقد بدأت تخسر في الكثير من الملفات، ومنها الملف السوري حيث حققت المعارضة تقدماً في حلب، وكذلك في اليمن عندما بدأت قوات التحالف في الاقتراب من صنعاء.

أظن أن هناك سوء تقدير لدى المراقبين والسياسيين في مناطق العالم، ومنها منطقتنا، لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط إيران بروسيا ونياتهما المستقبلية.