إبراهيم غرايبة

يغلب على النواب الذين سينتخبون في الأردن في 20 أيلول (سبتمبر) المقبل، أن يكونوا قد وصلوا إلى البرلمان بأصوات عشائرهم أو البلدات التي ولد فيها آباؤهم، لكنهم سيديرون الحياة السياسية والاقتصادية والتشريعية (يفترض)، إذ يشكلون الحكومة المقبلة أو على الأقل يجب على تلك الحكومة أن تنال ثقتهم، ويفترض أنها ستدير الضرائب والموارد والجامعات والمؤسسات الحديثة المنظمة للخدمات والحياة اليومية والعلاقات الخارجية، وأن يراقبها مجلس نواب يحاسب أداءها العام ويصدر التشريعات المنظمة لهذه الأعمال والمؤسسات.

لكن، ماذا سيفعل هؤلاء النواب لترشيد الإنفاق العام وتنظيم الموازنات والخدمات على أنواعها؟ كيف سيعمل البرلمان تجاه قضايا لم ينتخب لأجلها؟ وماذا ستعمل حكومة تتشكل على أساس مكاسب وتأثيرات جغرافية أو عشائرية أو طبقية تجاه قضايا لم تكن واردة أو محل تفكير لدى العشائر والبلدات والطبقات التي تعكسها البرلمانات والحكومة؟. وهكذا يمكن أيضاً التساؤل والتقدير: كيف تواجه الحكومة التطرف والإرهاب؟ ذلك أن العلاقة مع التطرف ستكون بالبداهة مستمدة من رؤية النخب والطبقات لنفسها وأهدافها وأعدائها وأصدقائها، وبوضوح وبساطة فإنه لا يمكن التخيل أن يقدم قادة سياسيون جاءت بهم اعتبارات قرابية، رؤية للأولويات وللأعداء والأصدقاء خارجة عن هذا الاعتبار! ولا يمكن أيضاً تخيّل هوية شاملة أو فكرة جامعة للدول والمجتمعات.

لقد حددت الأمم المتقدمة أولوياتها بالنجاح والازدهار، وفي ذلك فإنها تعرف أصدقاءها وأعداءها، العدو ببساطة هو الفشل، وعلى هذا الأساس فإنها تنظر إلى التطرف والإرهاب بما هو يهدد أفكارها وتقدّمها وأسلوب حياتها المنبثقة من رؤيتها للازدهار، وفي المقابل فإنه يصعب الربط بين أفكار الحكومات العربية وبرامجها لمواجهة التطرف والإرهاب، وبين تحقيق الازدهار وتجنّب الفشل، لا يبدو التطرف تهديداً للمصالح الاقتصادية والاجتماعية، ومن يقرأ على سبيل المثل خطة الحكومة الأردنية لمواجهة التطرف فلن يجدها تخرج عن حشد جماهيري وعشائري، عشائرنا» في مواجهة عشائر «هم» المتطرفين، لكن لسوء حظنا وحظ الحكومات أيضاً، لم يعد المتطرفون دولة أو جماعة محددة نعرفها فنصب عليها غضبنا ونرجمها بالحجارة والشتائم والغناء الوطني، ليس هناك سوى «داعش» البعيد والمتمركز في شمال العراق وسورية حول القمح والنفط، ولا نملك شيئاً يصلح لحربه.

لا يمكن النخبة العربية بما هي عشائر السياسة والإدارة العامة، أن ترى في ضعف المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية عدواً تحاربه، فليس بينها وبين الجهل والفقر والهشاشة عداء، ولا تريد أن ترى في الإقصاء والتهميش وضعف الأداء العام وعجز المجتمعات عن الاستقلال والمشاركة الاقتصادية والسياسية مصدراً للتطرف والإرهاب، حتى عندما يؤكد ذلك البنك الدولي، ليس ذلك في رأيها سوى مقولات تنظيرية معزولة، ولا يمكن بالطبع كما يؤكد علم النفس دائماً، أن تعتقد فئة أو طبقة فكرة أو معتقداً يضر بمصالحها أو يتناقض مع واقعها، لذلك فإن مواجهة التطرف والإرهاب لا تعني لدى السلطات والنخب الاحتكارية العربية سوى مزيد من الهيمنة والاستبداد، لأنها ببساطة لا ترى لها عدواً سوى ما يهدد هيمنتها ومكاسبها، وعلى هذا الأساس فلم يكن الإرهاب في يوم من الأيام عدواً لها، يمكن أن يكون الإرهابيون أعداء ولكن ليس الإرهاب، هي عداوة تصل في ضرورتها وفائدتها الى الأوليغاركيا حداً يجعلها صداقة وليست عداوة، فهذا الخوف يعفيها من المسؤولية والحساب، ومن غير الإرهابيين لن يكون في مقدور السلطات، لتنال ثقة المجتمعات وتأييدها، سوى النجاح أو على الأقل إصلاح المدارس والطرق والمستشفيات.


* كاتب أردني