&&ارشد هورموزلو &&

هل كانت محاولة عبثية، تلك التي قام بها نفر اعتقد منتسبوه بأنهم يمكن أن يقلدوا تقليعة الخمسينات والستينات من القرن الماضي لإطلاق صفارة التوقف لمسيرة الديموقراطية، أم أنها كانت انتحاراً جماعياً كما ذكر أحد المعلقين في إحدى الفضائيات العربية؟

على أية حال، أفرزت هذه المحاولة نتائج واضحة أثبتت أن الشعب هو أقوى من المغامرات المشينة وأن «مروّة» السيدة التركية التي تصدت للدبابة قائلة للجنود: «أنا مستعدة للموت فهل أنتم مستعدون لقتلي»؟ قد وضعت عنواناً كاملاً وواضحاً لما يجب أن يعتمده الشعب عندما يكون الوطن هو العنوان ويكون كل شيء ما عداه من التفاصيل التي يمكن أن تتغير.

في عام 1991 وقف الرئيس الروسي الراحل يلتسين أمام الانقلابيين مدافعاً عن خصمه غورباتشوف في محاولة انقلاب دامت ثلاثة أيام، بينما وقف الملايين من الشعب التركي أمام محاولة عبثية لم تستمر أكثر من تسع ساعات.

ماذا كانت ردود الفعل على هذه المحاولة الفاشلة في الإعلام الغربي والعربي؟ بطبيعة الحال فإن الغالبية كانت مع المسيرة الديموقراطية في بلد مثل تركيا حققت طفرات اقتصادية وتعليمية واجتماعية وصحية في العقود الأخيرة، لأنها كانت تنعم بالأمن حتى لو كانت المنظمات الإرهابية من كل حدب وصوب تتربص بنظامها الديموقراطي.

ولكن ظهر من نصّب نفسه خصماً وقاضياً ومحللاً مثل من قال: «على رغم فشل انقلاب دبره بضعة جنرالات وألقي بالمسؤولية عنه على الداعية فتح الله غولن» ليقرر كيف تم التخطيط للانقلاب ومن قام به رغم ما كتب وقيل وأذيع عن الاعترافات الكثيرة والمتوالية للمنخرطين في هذه المحاولة.

في هذا المجال جلبت نظر المتابعين أمور كثيرة عن نضج الشعب التركي في التعامل مع هذه القضية. وهنا من الضروري تذكير المشككين ببعض الحقائق التي ينبغي لهم أن يدرسوها أيضاً وقد تكون مستقبلاً موضوعاً لأبحاث علمية وسوسيولوجية.

بناء على الدعوات الى حماية الديموقراطية توافد الملايين الى الشوارع والميادين وبقي هؤلاء في مناوبات ليلية حتى الفجر لمدة قاربت الشهر. وكان لافتاً بعض من هذه الحقائق:

- لم يتم الاعتداء على أي محل مغلق أو أماكن سحب النقود أو السيارات المركونة في الشوارع.

- لم يتخلف أحد من المرابطين في الشارع ليلاً عن دوامه الصباحي في مقر عمله.

- لم يرفع أحد شعار حزبه ولا قام بالإشارة الى ذلك.

- لم يتم تسجيل واقعة شجار واحدة أثناء الحشد.

عجبت من الذين انتقدوا تركيا بقسوة عندما ألغت حكم الإعدام من قانون العقوبات التركي، وتصدوا منتقدين لمجرد أن هتف الشعب بضرورة إعادة حكم الإعدام لأن ذلك سيضع نهاية للحلم التركي في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي.

رأيت الكثيرين ممن حاكموا في ضمائرهم الإصلاحات الاجتماعية التي حدثت في بداية العهد الجمهوري باعتبارها تخلياً عن الماضي ونزوعاً الى الغرب، في حين علا صراخهم مدافعين عن هذه الثوابت وخشيتهم من الإخلال بها مؤخراً.

نقول دائماً أنه يجب أن لا نختزل الأوطان بشخص أو أشخاص وأن لا نضحي بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عندما يحصل خلاف طارئ بين حكومتين أو أكثر، أو حتى اختلاف في وجهات النظر وهذا ما لا يمكن تفاديه حتماً ولكن يمكن تفادي آثاره.

لقد ركزنا دائماً في ملتقى الحوار العربي - التركي على ضرورة التركيز على الايجابيات وعدم جعل السلبيات عنواناً لعلاقاتنا المتميزة. لا يعني ذلك الامتناع عن النقد وإظهار أية سلبية متى شوهدت. ولكننا نقول إننا يجب أن لا نختصر الوجود المجتمعي في شخص أو أشخاص بل مخاطبة الشعب بحيث تحل المودة بديلاً عن الكره والتشكك والتحريض.

ليتنا نكون موضوعيين في الطرح وفي النصح بدلاً من أن نحمل الآخرين دوماً الخطأ لأننا لا نرى في مواقفهم تطابقاً في الرؤى والأفكار. أليس حرياً بنا أن نعلم بأن لكل مجتمع خصائصه وتطلعاته وعلاوة على ذلك قراراته الخاصة التي يجب أن لا نطلب أن تكون صورة طبق الأصل من مواقفنا.

&