&رضوان السيد

ما عُرف جو بايدن نائب الرئيس الأميركي باللطف على الإطلاق. وهناك من الصحفيين الأميركيين من يقول إنه -وبخلاف كيري- هو العصا الغليظة للرئيس أوباما. أما في تركيا، وفي حديثه مع أردوغان ويلدريم (رئيس وزرائه) فقد كان يذوب رقةً، وكاد يصل إلى إنشاد قصيدة في التغزل بالرجلين المتطلبين، وبسلاطين بني عثمان! فتركيا -بحسبه- الحليف المفضل لأميركا ولحلف الأطلسي، والولايات المتحدة ستقاتل دفاعاً عن ديمقراطية تركيا واستقرارها ومصالحها الحيوية وأمنها الوطني. أمّا الصراع مع أردوغان لأكثر من عام ونصف على «قوات سوريا الديمقراطية»، والتي ساعدها الطيران الأميركي حتى حررت منبج من «داعش»، فيعود إلى سوء فهم الأكراد للتوجيهات التي أُعطيت لهم: لا تذهبوا إلى غرب الفرات! لكن بايدن يعرف (مثل أوباما) أنّ منبج تقع غرب الفرات بالفعل، وقد غطّى الطيران الأميركي احتلال الأكراد لها علناً. وعندما سئل بايدن عن هذا التناقض، قال: لا بأس، عليهم أن يخرجوا من منبج! وإن لم تصدقوا أننا مع تركيا إلى الأبد فانظروا إلى طائرتنا تغير على جرابلس وما وراءها! وما تظاهر بايدن بالحزم إلاّ في مسألتين: أميركا ما عرفت بالانقلاب ولا دعمته إطلاقاً، وقضية غولن قضية قانونية وليست سياسية!

لماذا انقلب المشهد؟ وكيف؟ قام أردوغان في الأسابيع الأخيرة بعدة تحركات راديكالية ما كانت أميركا تجهلها، لكنها ما توقعت حدوثها بهذه السرعة: التصالح مع إسرائيل وروسيا، والإيضاح لروسيا وللأوروبيين والأميركيين أنّ تركيا لا تريد شيئاً غير إبعاد «السلطة» الكردية الجديدة عن حدودها. ومقابل ذلك، فإنها مستعدةٌ للمشاركة في حل سياسي في سوريا، يُبقي الأسد خلال المرحلة الانتقالية. وأوراقُها على الساحة السورية واضحة: ستظل تدفع بمئات وراء مئات من المعارضين السوريين المسلَّحين ليمنعوا حصار حلب، وليصطدموا ب«داعش» والأكراد في جرابلس والباب ومنبج، وصولاً إلى إعزاز إن لم يستجب الروس والأميركيون لطلبها. وتشاور الأميركيون والروس، ورأوا أنّ الأكراد ينبغي إيقافهم بالفعل في شرق الفرات، بعد أن لعب معهم الجميع في مواجهة أردوغان: الإيرانيون أولاً ثم الأميركيون ثم الروس وقبلهم وبعدهم جميعاً النظام السوري!

هل انتهى المشروع الكردي في سوريا، كما انتهى بالعراق عندما اتفق الشاه مع صدام بالجزائر عام 1975؟ ليس إلى هذا الحدّ، فالمناطق التي سيطر عليها الأكراد شرق الفرات ستبقى بإدارتهم إلى نهاية الأزمة. والهمُّ الآن ينبغي أن ينصبَّ على إنهاء الحرب في سوريا وعليها. وهذه بدايةٌ ستطول بالطبع، لكنها بدايةٌ بالفعل بين الأميركيين والروس والأتراك، ويحاول الروس والأتراك إقناع الإيرانيين بها. وإذا جرت المقاربات بالتنسيق بين الأطراف الأربعة على النحو المرجو، فستجري ثلاثة أمور بالتوازي: متابعة العمليات ضد «داعش» من جانب المسلحين الذين تدعمهم تركيا، لكن الرقة ودير الزور ينبغي الاتفاق على من يستعيدهما في ظل الطيران الأميركي والروسي: هل يأخذ النظام السوري دير الزور، ومسلَّحو تركيا الرقة؟ أم يتشاركان في المدينتين؟ أما العملية الموازية الأُخرى فتتثمل في وقف إطلاق النار بحلب وريف دمشق، وفتح الممرات الإنسانية. والعملية الموازية الثالثة: العودة إلى المفاوضات السياسية على الحلّ الانتقالي. وهذان البندان، الثاني والثالث، هما الأصعب، لأنّ إيران ستعتبر نفسها خاسرة إن لم تأخذ حلب، ولأنّ النظام السوري سيعتبر نفسه خاسراً في المفاوضات (رغم عدم الحديث عن إزالة الأسد)، لأنّ الائتلاف السوري سيأتي قوياً إليها للاختراق في حلب، وللتقدم على الحدود مع تركيا. الروس يقولون إنهم «يمونون» على النظام السوري، إنما لا أحد يستطيع القول إنه «يمون» على إيران. والطريف أنّ الروس والأميركيين على حد سواء يعتمدون في ذلك على أردوغان الذي يُنتظر أن يذهب إلى طهران قريباً! كان ظريف قد أتى إلى تركيا وتعاتب مع يلدريم ووزير الخارجية التركي: سليماني دعم أكراد سوريا، وتركيا دعمت المتطرفين. ثم اتفقوا على تكثيف اللقاءات.

ماذا سيحدث لغولن؟ وهل سيظل الأميركيون مختلفين مع أردوغان حول تسليمه؟ غولن صار ثمرةً فاسدة. وقد لا يسلّمه الأميركيون لأن ذلك مُخِلٌّ بهيبتهم، لكن ربما نصحوه بالذهاب إلى بلد آخر، كما نصحوا الشاه من قبل!