&حسين شبكشي&

يبدأ ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، زيارة وُصفت بـ«المهمة» إلى كل من الصين واليابان، يكمن الجانب الاقتصادي منها على رأس قائمة الأعمال المنتظرة.

الاهتمام السعودي المتزايد بهذه المنطقة من العالم، هو ترجمة لواقع جديد. الصعود المتواصل لدول مختلفة من الشرق الأقصى مستمر بوتيرة واحدة منذ سبعينات القرن الميلادي الماضي، وبدأ باليابان التي كانت للتو تلتقط أنفاسها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وتعيد بناء قاعدتها التجارية والصناعية، فكانت منظومة «السوجاشوشا» وهي السبع شركات الكبرى، وبدأت في استحداث منظومة إدارية ميزتها عن غيرها وهي المعروفة باسم «الكايزن»، والتي أصبحت منهجًا يتبع في بلاد أخرى.

والنجاح الياباني المبهر الذي تحقق ولّد أسبابًا جديدة وحوافز مهمة، وبسرعة تحولت اليابان إلى رائد نموذجي لاقتصاد الشرق الأقصى. وسرعان ما انطلقت كوريا الجنوبية تقلد نموذجها، فقلدت نموذج الشركات الكبرى باستحداثها لفكرة «الشايبول»، وهي مطابقة «للسوجاشوشا» اليابانية، وبدأت في التألق في عوالم الصناعة والأجهزة المنزلية والإلكترونيات والهواتف والسفن التجارية والسيارات، حصل هذا بسبب معنوي مهم، فكوريا الجنوبية لديها أسبابها الخاصة «للانتقام» الاقتصادي من اليابان الدولة التي احتلتها ذات يوم، وأهانت شعبها.

وكان لنجاح اليابان وكوريا الجنوبية الأثر الإيجابي الممتد على نطاق أوسع في دول المنطقة، فحصل الرواج الهائل في اقتصادات تايلاند وماليزيا وإندونيسيا وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ والفلبين وفيتنام. حتى كانت الطفرة في اقتصادات العملاق والتنين الصيني الهائل، وهي الطفرة التي طالت آثارها العالم بأسره. فحجم الصين المهول حوّلها لورشة متكاملة لكوكب الأرض، فهي سرعان ما بدأت في تصنيع كل ما يمكن تصنيعه بسعر أرخص ومنافس. وطبعًا مع نمو الصين الاقتصادي الخرافي كان نهمها المتواصل على الطاقة لزيادة وتوسيع قدراتها الاستيعابية، وتحولت هذه المنطقة عمومًا، والصين تحديدًا، إلى أحد أهم مستوردي النفط الخليجي عمومًا والسعودي خاصة. وتعتبر هي واليابان من أهم عملاء النفط في هذه المنطقة من العالم، ولهما اهتمام بالغ في الحفاظ على علاقة متوازنة مع دول المنطقة، والحرص على تنمية الأمن والاستقرار للمنطقة. واليابان تحديدًا لها اهتمام لافت في إعادة الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للطاقة بعد قرارها اللافت بالاستغناء عن الطاقة النووية، التي جاءت بعد حادثة مفاعل فوكوشيما، نتاج الزلزال الهائل والمدمر الذي أصاب المنطقة هناك. الزيارة هي زيارة استراتيجية تثبت حضور السعودية كشريك مهم في دول العشرين التي تستضيف الصين قمتها السنوية، وكذلك تثبت جسور الثقة والعلاقة المتنامية مع شركاء مهمين في منطقة مؤثرة من العالم. اليابان والصين تتجهان بقوة نحو العالم الثالث، وخصوصًا الصين التي لها أهداف استراتيجية في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، بعد أن «ضمنت» السيطرة على اقتصاد آسيا، فهي وضعت هدفًا مثيرًا للجدل في أفريقيا وهو أن يستوطن عشرة ملايين صيني بحلول عام 2010، وهو ما حصل؛ بحيث تضمن تشكيل تعداد استراتيجي لها في المهجر الأفريقي، يضمن بناء قاعدة الولاء والتواصل في سوق واعدة وتتطور.

الصين واليابان هما العمقان الآسيويان الكبيران، واستمرار بناء التواصل الاقتصادي معهما هدف استراتيجي يستحق الاستثمار فيه. كل الأمل أن يكون ذلك هدفًا استراتيجيًا ثابتًا.

&

&