&محمد الساعد

عودة بريطانيا العظمى إلى الشرق الأوسط، لم تكن مصادفة أبدا، ولا حضورها سيكون شكليا أو عبئا على المنطقة، فلندن لم تعد عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

لكنها بالتأكيد عاصمة «لأمة عظمى»، تبحث عن دور يعيدها لموقعها الدولي، ومجدها القديم، في ظل تراجع دول وصعود دول أخرى، ويبدو أن البريطانيين وجدوا أن فرصتهم للعودة إلى الساحة الدولية حانت، ولا مفر من اقتنصها.

من لا يستطيع مطابقة الإشارات، مع الأحداث المفصلية التي مرت وتمر بها المنطقة العربية والإقليم المجاور لها منذ “الخريف العربي”، فلن يستطيع تلمس طريق الخمسين وربما المئة سنة القادمة.

أولا.. “أمريكا أوباما”، خرجت من الباب العربي تماما، وهي اليوم فقط تقوم بالانتهاء من آخر الملفات التي “تورطت” فيها.

ثانيا.. أمريكا باعت المنطقة، لمليشيا الإخوان والتنظيمات الإسلاموية الإرهابية، والمساهمين في هذه المليشيا من دول مجهرية وإقليمية.

ثالثا.. من المؤكد أن واشنطن لم تكن حاضرة، في هذه المنطقة المتلاطمة بالحروب والنزاعات والاحتجاجات في السنوات الثماني الماضية، كما كانت فاعلة بشكل مكثف “أمريكا بوش أو ريغان” ـ على سبيل المثال ـ.

رابعا.. فلسفة “أمريكا ترامب أو هيلاري”، لن تكون فاعلة أبدا هي الأخرى، فقرار الخروج من هذا الشرق المزعج، قادم من أعماق المؤسسات الاقتصادية، التي حملت التدخل الأمريكي في العراق والمنطقة، ذنب الانهيار الاقتصادي الذي اجتاحها 2008، وهذا القرار تنفذه المؤسسة السياسية والعسكرية في البيت الأبيض والبنتاغون.

البديل الأمريكي لهذا الشرق المنهك كما هو معلوم، ذلك الحزام الصناعي والمالي، الممتد من كوريا الجنوبية، مرورا بالصين وفيتنام والهند، إلى إندونيسيا وماليزيا، ثم نزولا إلى أستراليا ونيوزلندا وصعودا إلى اليابان.

هذه الحزام سيكون القلب الصناعي والمالي والتكنولوجي للعالم، في الخمسين سنة القادمة، ولذلك فإن تركيز واشنطن الإستراتيجي انصب عليها.

في السياق نفسه، لم تغفل السعودية ذلك التحول، وبدأت في بناء جسور اقتصادية وطرق تجارة بديلة، تمتد من اليابان والصين والهند، وتمر بالسعودية في طريقها للعالم، وزيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد هذه الأيام لتلك الدول، تبني عليه وتعززه.

لذلك أصبح من الملح لمنطقة مثل الشرق الأوسط، مختلطة الأعراق والأديان والمذاهب، ابتليت بحروب وصراعات طائفية، ولم تستطع أن تجد حلولا للتعايش فيما بينها، أن تكون إحدى الدول العظمى حاضرة أمام التغول الروسي وحلفائه الجدد، من دول الأعاجم في طهران وسواها.

في الأسبوع الماضي، وصل وزير الخارجية البريطاني الرياض مشاركا في أهم لقاء يعقد بين السعوديين والأمريكان، منذ قطع السعودية إمدادات البترول عن الغرب إثر تداعيات حرب أكتوبر في العام 1973.

أهمية اللقاء لا تكمن في تصريحات كيري التي أعقبت اللقاء، ولا خطته للحل اليمني، بل كانت في وجود وزير الخارجية البريطاني، الذي أعلن “حضوره” عن عودة السياسة البريطانية العظمى إلى الشرق الأوسط، الشرق الذي غادرته في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر، مكتفية بالحلول الأمريكي والسوفيتي ثم الروسي.

قبل بضعة أسابيع، اندفع البريطانيون للتصويت على خروج بلدهم من الاتحاد الأوربي الذي أرغم البريطانيين على حمل مجتمع واقتصاد دول شرق أوروبا المشلول.

الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، عزز ثقة بريطانيا في الاقتصاد الخليجي، خاصة الاقتصادين السعودي والإماراتي، ودفعها للالتفات باتجاه شركاء حقيقيين، يمكن أن يبادلوا البريطانيين المنافع سياسة واقتصاد.

دول الخليج وعلى رأسها السعودية، التقطت إشارات الخروج البريطاني من الحوض الأوروبي، لتبني معها تحالفات جديدة تخدم بها مصالحها الوطنية.

العودة البريطانية للشرق الأوسط، ستشمل ترشيد الاندفاع الروسي ـ الإيراني ـ التركي، باتجاه التخوم العربية، ودعم المصالح الخليجية في المنطقة والعالم.

كما أن البريطانيين صانعي السياسة ودهاليزها، قادرون على إعادة مسار السلام العربي ـ الإسرائيلي، والوصول إلى حلول تعيد للشعب الفلسطيني أمله في الوصول لدولة مرضية، إثر الاتفاق الأمريكي ـ الإخواني، باستبعاد القضية الفلسطينية من المشهد، مقابل تمكين الإخوان من الحكم في البلدان العربية.