&&المرونة وسماع الرأي الآخر من إيجابيات «رؤية 2030»

&

في كل أسبوع تستضيف «عكاظ» مغرداً في «تويتر» وتجلسه على منصة المواجهة ثم ترشقه بالأسئلة المضادة والمشاكسة.. هو حوار ساخن هنا كل يوم ثلاثاء، وضيفنا هذا الأسبوع هوالأستاذ محمد علي علوان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الداخلي السابق، هو أيضاً الأديب والقاص المعروف صاحب المجموعة القصصية الشهيرة «الخبز والصمت».

&

• معظم تغريداتك ريتويتات لتغريدات الآخرين أو عبارات تنقلها لمفكرين عالميين.. لماذا أنت مقل في الحضور حتى في تويتر تماماً كما حدث مع الأديب والقاص محمد علوان؟ هل تشعر أنه لم يعد هناك ما يجدي؟

•• ربما أن الدخول لعالم «تويتر» لم يتم إلا منذ خمس سنوات، وحفزني للكتابة فيه الكثير من الأقارب والأصدقاء، فهم يعرفون عني الاختصار في القول ومحاولة الوصول إلى المعنى بكمية أقل من الكلمات والعبارات وهذا لوحده أمر صعب لمن يحترم حرفه ولمن يحترم قدرته اللغوية، وأيضاً يدرك أنه أقام مسؤولية أخلاقية كبيرة، فهو مسرح مكشوف أمام قراء يختلفون من شخص إلى آخر ومن ثقافة إلى ثقافة ومن هدف إلى هدف. ولذلك أنا حذر في تغريداتي ولا أرغب في الدخول إلى المشاكسات والصراخ الانفعالي غير الموضوعي، لأن ذلك معناه الخسارة على الأصعدة كافة وضياع المتعة والفائدة من التواصل. أما ما أنقله من تغريدات لآخرين وللمفكرين على مستوى العالم العربي أو المترجم فهو إضافة لي، وإضافة للمتابع الذي سوف يطلع على رؤى أخرى وفكرة جديدة ونمط آخر من التفكير، وهو من الصعوبة، إذ لابد من تجاوز السابق وإبداع شيء جديد، فالفكرة ليست في كمية الصفحات أو الإصدارات، بقدر ما هي استطاعتك في خلق إبداعات مهمة ورؤية عميقة تضيف الى المشهد الثقافي لوناً وطعماً خاصاً بك. طالما الحياة مستمرة فإن هناك ما يجدي، أنا جزء من هذا العالم الصاخب والذي يزخر بالعلم والعنف والإبداع، والصدق الذي يروق لي دون زيادة أو نقصان أهتم بالتفاصيل الصغيرة التي تمثل المشهد الأكبر في كل عمل قصصي.

الفوضى الخلاقة

• قلت معلقاً على التفجير الذي حدث بالقرب من الحرم النبوي: «هل تقبل اعتذارنا، يا أنقى الأنبياء. نعتذر بعد أن شوهنا الإسلام، ووزعناه شيعا وفرقا وطوائف، طمسنا الضياء، وأطلقنا جيوش الظلام».. هل تعتقد أن ما حدث وما يحدث لدينا ليس له أصابع خارجية معادية؟

•• نحن جزء من هذا العالم الذي يمور بالحروب وفكرة التقسيم بناء على المصالح والرغبات السياسية المشروعة وغير المشروعة، ثم إننا أخيراً نعيش مرحلة مرعبة وهي مرحلة الصمت الدولي وما نراه من وقت لآخر من شجب واستنكار ليس سوى جزء من المسرحية. المصالح أولاً: الأديان، القيم، التراث لهم فقط أما الآخر فيجب أن يزال وأن يبعث من جديد. وهذه خطة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة: كونداليزا رايس التي تبشر بالفوضى الخلاقة التي تنتج قيماً جديدة وبالطبع فضائح جديدة، ومناطق نفوذ جديدة تتحكم بالإنسان وثروات الأرض؛ رغم أنني لا أفقه أبداً في السياسة، لكن الخوف الناشىء من الإسلام الحقيقي، فنبشوا في الكتب عما يكون تشويها لحقيقة الإسلام وقيمه الناصعة، ليكون الإسلام مبعث خوف على البشرية جميعاً بأفكاره التي تميل إلى العنف والإلغاء وتدمير كل ما هو حضاري وإنساني وإبداعي، فجاءت القاعدة وداعش، وسوف يعاد من جديد تفكيك هذا العالم وإعادة بنائه على المصالح الخاصة بالغرب والشرق ومحاولة إبقائنا ضمن دائرة الخوف والرعب، والذي حدث في بلادنا وما يحدث وراء كل ذلك أصابع أجنبية، ولولا قليل من دبلوماسية لقالت واعترفت بعدائها الصارخ.

• تقول: «يتماشى مع الرؤية وبرنامج التحول ستصبح هذه العبارة، تتصدر تصريح كل مسؤول ينجز عملا ما، ستصبح فزاعة لمن يحاول أن يناقش، أو يعترض».. ماذا تقصد بهذا الكلام العام؟ يعترض على ماذا؟ ثم ما رأيك في الرؤية السعودية 2030؟

•• رأيي في «الرؤية السعودية» أنها كانت ولا تزال نتاج جهد كبير وعلى مستوى عالٍ من رجال الخبرة والوزراء وأصحاب القرار لمحاولة رسم أفق جديد للمملكة العربية السعودية، خصوصاً جانبها الاقتصادي، وبطبيعة الحال تتبعه الجوانب العلمية والثقافية وجوانب البحث العلمي، الذي أفهمه أنها ليست مشابهة للخطط الخمسية أو العشرية التي تلتزم بالتنفيذ سواء نجحت أو لم تنجح، وهذا الذي أفسد هذه الخطط، لكن «الرؤية» لديها من المرونة وسماع الرأي الآخر بعد دخول التجربة التي يمكن أن تنجح أو تفشل وهذا الإيجابي فيها.

أما فكرة الفزاعة فقد بادرت بعض الجهات بإعلان أن جميع ما تعمله لا يتماشى مع الرؤية، فكأنما هذا الإعلان الذي يسبق النتائج كافٍ لأصحاب القرار ومثبطٍ لمن يحاول انتقاد جزئية. الرؤية تجربة ربما تنجح وربما تعدل وهذه ميزتها عن الخطة السنوية أو الخمسية. الدولة الآن تجاوزت ومنذ زمن فكرة عدم الانتقاد إذا كان قائماً على الدراسة وإنتاج البديل المناسب، وليس كيل المديح الذي يثقل الرؤية ولا يساعد في تطويرها بالرأي والرأي الآخر.

غرس الكراهية

•خاطبت أمير منطقة عسير بتغريدتين جاء فيهما: «إلى فيصل بن خالد، مع حفظ الألقاب، أنت الوحيد الذي يقرر أن تكون قرية المفتاحة، وهي جزء من ذاكرتنا القريبة مقهى أو نزلا أو أن تكون فخراً لنا.. ثقتنا بك كبيرة، ونأمل أن تكون الرؤية الثقافية تعلن لجميع المبدعات والمبدعين انطلاقتها من قرية المفتاحة، هذه ذاكرتنا».. حتى وقرية المفتاحة ما تزال موجودة إلا أنها بهتت عن السابق؟ كيف تخلون مسؤوليتكم أنتم المثقفين في المحافظة عليها وتطويرها ثم تستنجدون بصاحب القرار؟

•• المفتاحة كانت في البدء فكرة للأمير المبدع خالد الفيصل بن عبدالعزيز عندما كان أميراً لمنطقة عسير، وهي عبارة عن مقر وسكن للفنانين التشكيليين، وهي من مبادرات الأمير خالد ذات الأولوية، ثم تطورت الفكرة إلى تطوير المنطقة وبناء مسرح ضخم تبرع به الكثير من المواطنين، وأسماؤهم موجودة حتى الآن، ثم رغب الأمير خالد في تسمية مركز الملك فهد الثقافي وقد كان ذلك، ولكن لأن الثقافة في تلك الأيام تتنازعها جبهات عدة، مثل وزارة التربية ووزارة التعليم العالي ورعاية الشباب والحرس الوطني، بل إن أمانة مدينة الرياض لا تزال تشجع العمل المسرحي وتخصص له ميزانية، فأصبحت إمارة أبها عبارة عن مشرفة على المركز الثقافي دون إعاقته عن القيام بمشاريعه الفنية والثقافية والسياحية. والمثقفون لم يخلوا مسؤوليتهم فهم لا يملكون إلا الكتابة وإبداء الرأي وربما هذا المؤشر اتضح بعد مجيء «تويتر». والشهادة أن سمو الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير تفاعل وبشكل إيجابي مع ما نشرناه في تويتر وربما في بعض الصحف، وهذا دائما ما يقف مع كل ما يمكن أن ينقل العمل الثقافي ويحسن صورته والدولة تدعم العمل الثقافي باعتباره يركز على الجانب الحضاري والتراثي والإبداعي للمملكة.

• «نخلة في قلب العراق تبكي: لم أعد أثمر إلا رصاصاً أعمى، لا يدري من يصيب»، هكذا غردت عما يحدث في العراق.. أستاذ محمد هل تعتقد أن ما يجري هناك يمكن أن نعالجه بالكلمة؟ وهل الرصاص أعمى فعلاً؟ أليست له أبصار مطلقيه؟ من فعل بالعراق كل هذا؟

•• نحن يا صديقي لا نملك إلا الكلمة والغناء والبكاء، الفارق بيننا وبينهم، نحن نبيع الأوطان ما يجري في العراق ليس جديداً، فعلى مر التاريخ والعراق حالة من الحرب والحب من الدمار إلى البناء والحضارة، تاريخ موغل من تقلبات الأمم والحكام. ولكن العراق يظل متمسكاً بالكتاب والنخيل، هذا الرمزان يكرسان بقاءه طوال هذه الأزمان، من عصر الحجاج وربما قبل وما مرت عليه من كوارث وحروب، لكنه لا يزال يغني ولو بصوت حزين، لكنه غير منطفئ، نعم.. نعم الرصاص ليس أعمى، فله أبصار مطلقيه، كلنا فعلنا بالعراق ذلك وسلمناه للأمم التي تكره الإسلام الحقيقي الناصع وأثمرت لنا أفكارهم "داعش" وزمن التوحش وغرس الكراهية.

• أشرت إلى تحقيق عن أبها، نشرته صحيفة «الرياض»، يذكر ندرة البيوت التراثية، ثم علقتَ: «من المؤكد بعد أن هدمت معظمها، وما زال التشويه مستمراً حتى الشجر لم يسلم»، من هو الذي يقرر الهدم هنا؟ أليس لها ما لكون؟ ثم لماذا تكونون ضد التراث في الجوانب الثقافية وتبكون عليه مكاناً قد يطاله التطوير لا محالة؟

•• التراث والتطوير إذا أخذا شكلهما العلمي المدروس لا يتناقضان أبداً، هناك في مدن العالم الذي لا يفقد ذاكرته يحرصون بشكل واضح على إيجاد القوانين الصارمة للخطط على أدق التفاصيل في المباني التاريخية والأثرية، والمالكون سيغادرونها؛ لأنها لا تفي بمتطلبات الحياة الحديثة، ويمكن تعويضهم بالمال والأرض، والمحافظة على تطوير البناء الأثري وعدم التعرض لشكله السابق إلا في أضيق الحدود. بشكل علمي هناك دول مثل فرنسا وإيطاليا ودول أوروبية عديدة لها الخبرات، بذلك نضمن بقاء الصورة السابقة، حيث التراث عنوان ضخم، وهو أكثر ضخامة في الجوانب الثقافية، ولم نكن ضد ذلك على الأقل بالنسبة لي شخصياً، وهذا ما عنيت به عدم التناقض بين التطوير والمحافظة. ولذلك نخرج من نمطية البيوت السعودية المتشابهة التي لا تملك روح كل منطقة تمثلها.

بالنسبة إلى التحقيق المشار إليه في صحيفة «الرياض» عن ندرة البيوت التراثية في أبها وأنا أضيف: وهي وغيرها من المدن التي طالتها يد الهدم بحجة التطوير والتحسين، وأنا مع التطوير إذا روعيت فيه المحافظة ما أمكن على النمط وأن تكون بمثابة مزار وليست أحياء كاملة، وأهلها الآن لا يسكنونها، رغم أن قرية «رجال» في رجال المعتم ترميمها لتصبح تحفة ومزاراً ومسكناً للكثير من الزوار، كل بلد في العالم له خصوصية ورائحته الخاصة، أما أن نكون نسخاً متشابهة فغير مقبول ولا منطقي، فالرياض قديماً لها نمط في البناء والتصميم ومنطقة نجران لها كذلك وجدة والطائف وأبها وبلاد قحطان. وهذه المحافظة تذكرنا بالماضي، وبالإمكان تقليده وإنشاء المتاحف لجمع التراث الإنساني لكل منطقة، هذا التنوع هو الذي يغري السائح للقدوم علاوة على وجود الأمطار الموسمية التي هي فضل من الله سبحانه وتعالى. لابد من المحافظة على النمط القديم، فمناطق الحجاز من الطائف إلى أقصى الجنوب لا تصلح الآن إلا للمنازل التي يزينها القرميد أو اختيار اللون الأبيض والأزرق أو الأخضر كما هو في المدن التونسية وغيرها من مدن شمال أفريقيا المغرب والجزائر، وغيرها من مدن العالم.

تويتر والرقابة

• «ما رأيكم أن نصوم جميعا هذه السنة عن الكراهية، عن الاتهام، عن المناطقية، عن تصنيف الآخر، وأن نفطر بعد مغرب كل يوم على المحبة للجميع» هكذا دعوت المجتمع قبل شهر رمضان.. هل ترى أن الوعظ هو الذي يدير الأمور وينظمها أم القانون؟ كيف يمكن إنشاء قوانين واضحة لردع كل هذه الجرائم؟

•• فيما أعلم أن الوعظ كان مطلوباً عندما كان المجتمع أقرب إلى الجهل وعدم المعرفة، أما الآن فسوف يكون عبئاً مضاعفاً على العملية التعليمية. وعبارتي لا تحمل نفساً وعظياً لكنه بوح الخاطر لهذه العلاقات الإنسانية التي لا تنبئ عن الفطرة السليمة ولا القيم التي تحول المجتمع إلى غابة ومجموعة من الوحوش التي تكره بعضها وتتهم بعضها بشكل لا يتوقف. نحن الآن في عصر الأنظمة والقوانين التي لا بد أن تنطبق على الجميع دون استنثاء. الوعظ لم ولن يدير الأمور، بل قوة القانون وهيبته والعقوبات الرادعة التي تنتظر كل مخالف، الوطن لن يقوم إلا بالألفة والمحبة والبناء يداً بيد دون النظر إلى المنطقة أو الأسرة أو حتى المذاهب التي طالما قامت الدولة بحمايتها. المواطنون على درجة واحدة من المساواة الصادقة والعدالة التي تصل كل قرية وكل أسرة وكل فرد طالما أنه ينتمي إلى هذا الوطن العظيم، القوانين ليست على قدر من الصعوبة أو أنها صعبة التنفيذ، بل كل الدول التي سبقتك بالإنجاز على هذا المستوى يمكن الاستفادة منها. ولديهم القوانين والعقوبات التي ترفع شأن هذا البلد أو ذاك، متى ما كان مخلصاً.

• تقول: «شفافية الشؤون الإسلامية معقول أن المتحرش له سوابق، ما هذه الشفافية التي لا تحمل حسا إنسانيا ولا مجتمعيا».. كيف يمكن في رأيك أن نعالج خللاً كبيراً كهذا؟

•• ونحن نرى حواراً مثلاً تؤديه الشؤون الإسلامية يظل ضمن دوائر مغلقة وأفكار وظيفية مستهلكة وإيقاع بطيء، ذلك أن قانون التحرش في العالم الإسلامي بالذات يجب أن يطبق بلا هوادة، التحرش مرض نفسي، ومرض يقذف بالقيم عرض الحائط ولا بد من القيام بالمعالجة الفورية، أما هذه الشفافية التي نبتت في هذا الوسط فلم أستوعبها، أو أن القدرة على شرح موقفهم رمادي وملتبس. أحسب أن هذه الوزارة عليها دور عظيم ورائع، فأين هي من إصدار الكتب التراثية في الدين والحديث وغيره؟ فأنا لا أعرف أن لديهم توجهاً لذلك، والسؤال الأهم: لماذا هذا القصور في الإشراف فيما يسمى بالمخيمات الدعوية، هذا لا يليق منذ أن أشرقت علينا شمس العم «قوقل» وصحبه الكرام، كأنما اختصر الكثير من السنوات التي كنا سنعيشها انتظاراً للحصول على المعلومة، وبمعنى آخر الوصول الى الحرمة التي ينشدها الأفراد وتنشدها الشعوب في آن واحد.

• كيف تقيم «تويتر»؟ ماذا يعجبك فيه وما الذي يضايقك؟

•• ولعل «تويتر» وقد وصفته مسبقاً في تغريدة قديمة أنه أشبه ما يكون بشارع طويل عريض، يعرض كل شيء من بضائعه المختلفة، حيث تشاهد متجراً مليئاً بالمجوهرات وبجانبه آخر يبيع الفحم والعود، وآخر يعرض الحديد والبلاستيك. تويتر هو كل الناس، وهو أفكارهم التي منحتهم حق الحرية دون اللجوء إلى صغير أو كبير ليأذن لك في النشر، تويتر منحك أن تكون الكاتب والمتلقي ورئيس التحرير ووزارة الإعلام. تويتر في ظني هو من أجهض على ما بقي من فكرة الرقابة الرسمية والتي مرت بها جميع الشعوب، تويتر يكشف الحب والكراهية، والفهم السقيم، تويتر حقيقة عارية تسترها القيم والثقافة والحس الإنساني. تويتر أصبح مرآة تكشف ما في داخلنا على الأصعدة كافة، وكيف نتلقى الفكرة، وكيف نبررها أو نصدقها أو نرفضها، تويتر فيه بعض الزوايا المظلمة التي يحب أصحابها البعد عن الضوء عن الشمس، تويتر هذا الأرزق الذي يبوح بكل شيء وفي أية لحظة.