&حسين شبكشي&

يجب أن نتذكر دائمًا أن الصين، الدولة الشيوعية رسميًا والتي يحكمها الحزب الشيوعي، هي فعليًا اليوم محرك نمو الرأسمالية في العالم، وهذه الجملة وحدها كفيلة بأن تجعل كارل ماركس رائد الشيوعية المعروف يتقلب في قبره. والمتابع لمسيرة الصين، أيًا كان توجهه، لا بد له أن يتوقف انبهارًا أمام لغة الأرقام الحاصلة والمعبرة عن نمو البلاد الاقتصادي غير العادي.

بعض الأرقام تحتاج إلى أن يفرك المرء عينيه جيدًا ومرات كثيرة حتى يصدقها، ومن ثم يستوعبها، ولكنها أرقام حقيقية. حجم الكيلومترات للسكك الحديدية الفائقة السرعة (وليس للسكك الحديدية العادية) بلغ حتى اليوم 24 ألف كيلومتر (وهي أكثر من مثيلاتها في أوروبا وآسيا وأميركا مجتمعة). وتنوي الصين أن يكون لديها أكثر من 32 ألف كيلومتر منها خلال أربع سنوات. حجم الإسمنت الذي أنتجته واستخدمته الصين خلال السنوات الثلاث الأخيرة يفوق حجم الإسمنت كافة الذي أنتجته واستخدمته الولايات المتحدة الأميركية خلال تاريخها كله. أيضًا تضيف العاصمة الصينية بكين 80 كيلومترًا سنويًا مساحة لمترو الأنفاق لديها.

ومن الأرقام اللافتة والهائلة أن شركة «فولكس فاغن» رائدة صناعة السيارات الألمانية، بلغت ثلثي طاقة إنتاجها من سوق الصين وكذلك نفس النسبة لأرباحها. أما شركة «مرسيدس» للسيارات فتبيع في الصين وحدها أكثر من نصف إنتاج موديلها المعروف بموديل «إس» الفاخر، وهو قمة إنتاجها، وبذلك يكون سوق الصين بالنسبة لموديل «إس» أكبر من سوق الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والشرق الأوسط وروسيا مجتمعة.

الصين اليوم بحاجة لعشرين ألف طيار لشركات الطيران لديها بمعدل 100 طيار أسبوعيًا. عندما حصلت كارثة عام 2008 المالية الاقتصادية وبدأت آثارها الأولى بالإعلان عن إفلاس شركة «ليمان» المصرفية، اتخذت الحكومة الصينية قرارًا مهمًا، ويتمثل في تخصيص مبلغ خمسمائة مليار دولار لتوجيهها للاستثمار الداخلي لزيادة رقعة الإنتاج للورش والمصانع المختلفة، فبدأت المشروعات العملاقة تظهر وتتميز وتتسع، وكان الهدف الآخر هو تشجيع أهل البلاد على الاستهلاك، فالصين بلد مجمله ريفي وزراعي، وقلة هي التي تعيش في المدن وتتبع النمط الاستهلاكي، وبدأت الشركات العملاقة في إعداد المساكن بالآلاف بشكل فوري لتسكين ونقل بعض أهل القرى إلى بعض المدن، ومع السكن تكون التجهيزات للأثاث والأدوات المنزلية والسيارات إلى ما هو كذلك. وبدأت عجلة الإنتاج تعمل لتعويض الهبوط الحاد في التصدير نتاج الكساد الذي أصاب الأسواق العالمية الأخرى.

اليوم ما يحصل في الصين هو بطء في عملية النمو، ليس بسبب ضعف اقتصادها ولكن بسبب ضعف قدرة الأسواق الكبرى على النمو نتاج الكساد الحاصل فيها. أرقام الصين «مذهلة» وتصيب المتابع لها بالدهشة، إذ لم يمر على الاقتصاد الحديث معدلات نمو بهذا الحجم وهذه السرعة وفي هذه المجالات المختلفة.

الصين كانت تعرف قديمًا ببلاد الحكمة، واليوم يراهن قادتها أنها سوف تقود اقتصاد العالم.

&

&

&

&