&سمير عطا الله&

«يعقِّدنا» الألمان في كل شيء. في الصناعة وفي الزراعة وفي استقبال اللاجئين وفي التفوق الاقتصادي وفي الصحافة. وعندما أريد معرفة شيء في العمق عن قضايانا، ألجأ غالبًا إلى الصحافة الألمانية على مواقعها المترجمة. نحن في بيروت نبعد 70 كيلومترًا عن دمشق. لكننا لا نعرف سوى ما تقوله بلاغات الفرقاء. والصحافة العربية تغطي أنباء سوريا من الوكالات ومن وراء المواقف المسبقة، وحتى الصحافة الأميركية الكبرى تغطي سوريا من بيروت، ولكن من خلال مصادرها في أنحاء الميدان، والميدان أصبح سوريا كلها.

في العدد الأخير من مجلة «دير شبيغل» تحقيق مطول ومفصل من مواقع الأحداث في سوريا وتركيا والأردن. بكل صدق وبساطة قرأته حرفيًا لكنني لم أستطع «استيعاب» كل ما فيه من أسماء فصائل، وأسماء جبهات، وأنواع الدعم، ومَن يقف وراء مَن من الدول والأمم والأحزاب و«الحشود»، باللغة الشائعة الآن في بابل الدماء العربية وسائر المدعوين.

غير أن عنوان التحقيق كان أكثر بلاغة من التفاصيل، وحتى من الجهد المهني الرائع، وهو جملة بالفرنسية «Syria a la carte»، وهو لائحة الوجبات المختارة في المطاعم. أي أن كل فريق من فرقاء الصراع يريد وجبة معينة أو قطعة معينة من البلد النازف. عندما تقرأ أسماء الفصائل المجهولة والدول الكبرى والصغرى والوسطى (بالإذن من عمر ابن أبي ربيعة) يهولك أن لا وجود للعرب على مائدة «قلب العروبة النابض».

ويشك المرء في أن يكون معظم النهمين والمتوحشين يعرفون حقًا ماذا يريدون. أو كم. وأحيانًا ترى البعض على أكثر من مقعد وفي أكثر من جهة، كما هو حال أوباما البطيء نهاية القعود. المؤكد أن الجالس إلى رأس المأدبة هو بوتين الذي كان والده طباخًا عند ستالين. هو الذي يقطع، وهو الذي يوزع، وهو الذي يدق الجرس.

لعله أكثر المشاهد إيلامًا، منذ أن احتلت إسرائيل قبل 50 عامًا أراضي مصر وسوريا والضفة الغربية والقدس. أو منذ تمخطر الثور أرييل شارون في المسجد الأقصى، متحديًا كرامة ومشاعر مليار ونصف مليار مسلم في أولى القبلتين.

ضاع العراق وتضيع سوريا والدعوة مفتوحة. والجنرال سليماني يأخذ الصور التذكارية. وقاعدة الحميميم تنسق العملية التي لم يعثر لها على اسم حركي بعد. ربما: لائحة الوجبات المختارة.

&&

&