&محمد صابرين&

تبخر السحر الأمريكي الذي أسر العقول لدي العامة وألهب خيال الكتاب علي مدي فترة طويلة من الزمن، خاصة مع وصول باراك أوباما للسلطة وإلي المنطقة وتحديداً مصر، إلا أن «السحر» تبدد.. ولم تعد شعوب المنطقة قانعة بالكلام. وبعد سنوات طويلة من معسول الكلام وجفاء الأفعال فإن الجسر الممتد مابين واشنطن والقاهرة قد عادت تدب الحركة فيه علي خجل، وبالأمس القريب شهدنا «اشتباكا قوياً» للرئيس عبد الفتاح السيسي مع المرشحين للرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. ولا أعتقد أن التوقف عند مظهر الأشياء هو المهم بل جوهر المسألة الأهم. فالجوهر الحقيقي أن سعي كلا المرشحين ـ وليس أحدهما ـ للقاء القيادة السياسية المصرية يعكس 3 أمور في غاية الدقة : أولاً: أن مصر الدولة المحورية والاستراتيجية لم تفقد أهميتها ولا دورها، وحتي لو حاول البعض في الدوائر الأمريكية الادعاء بغير ذلك. ثانيا : أن مصر «مستقرة» ونظامها السياسي تحدي اختبار الزمن، وأن الأماني الزائفة بسقوط النظام أو دخول مصر في حالة فوضي جديدة ليست دقيقة ولا واقعية، وإلا لماذا تكبد هؤلاء عناء التفاهم والحوار مع نظام في مهب الريح أو بلد تنتظره الفوضي.وثالثا ً : وهذه النتيجة الأكثر دقة وتترتب علي الأمرين الأولين إلا وهي «دعونا نبدأ العمل معاً»، و «العودة لما هو معتاد أو ماهو أبعد».وأحسب أن هيلاري كلينتون ومعسكرها الديمقراطي يحاول العودة الي حالة «أدفأ قليلاً من زمن أوباما، مع الاستمرار في محاولة فرض أو الاقناع بالابتزاز لإدخال «جماعات الاسلام السياسي» إلي المشهد واللعبة السياسية المصرية. وفي المقابل فأن ترامب وحملته يحاولون الاكثار من الوعود الكبيرة بشأن أهمية وحيوية التعاون مع مصر، وفي رسالة مهمة ومصممة بعناية فإنه يقول إن الولايات المتحدة ـ في عهده ـ ستكون «صديقا يمكن لمصر الاعتماد عليه».

إذن ما يهم هو التفاوض والتفاهم علي طبيعة وجوهر العلاقات المصرية ـ الأمريكية، وأحسب أننا بحاجة للتخلي عن الرومانسية، وإدراك أن «لا شيء مجانا» في هذه الغابة الدولية. وهنا فإن الدكتور سمير رضوان وزير المالية الأسبق في حوار مهم للمصري اليوم يكشف فيه عن خبايا السنوات الخمس الماضية، والعلاقة مع الادارة الأمريكية، ورؤيتهم للمشهد المصري وجماعة الاخوان. ويقول رضوان «الخطر كامن في جوانب كثيرة من السياسات الغربية التي تري أن مصر كسرت ماتم بناؤه عبر سنوات طوال مع تيار الاسلام السياسي. ولكن مثلما قلت» كن علي مقربة من عدوك، واستفد من كل فرصة». وأحسب أن ذلك هو مربط الفرس« ويتعلق«بالنظرة البراجماتية» التي يعرف ماذا تريد، وتدرك الأخطار وتتعامل معها، إلا أن الأهم هو «تعظيم المنافع وتقليل التكلفة»، وعدم التخدير بمعسول الكلام. وهنا علينا أن ننظر إلي انتزاع نيتانياهو صفقة الـ 38 مليار دولار مساعدات أمريكية لإسرائيل، ولم يتوقف رئيس الوزراء الاسرائيلي المراوغ عند حدود الكلام والانتقادات الأمريكية لحكومته من قبل أوباما. وفي المقابل فإن «النخبة المصرية والعربية» احتفت وتحتفي دوما» «بالكلام المعسول»، و «البيانات البراقة»، ولا تسعي ولا تهتم «بالتفاصيل الدقيقة» لأي عملية تفاهم، أو تعاون مع القوي الكبري ولا حتي «الصغري». وهنا من الطريف الاشارة إلي جملة سمعتها من كثير من الأخوة العرب، وخلاصتها أن مفتاح المصريين هو أن تقول لهم «كلاما معسولاً» حول قدرة مصر وريادتها وأنها «أم العرب» إلي آخر هذه المعزوفة.

ولم يعد سراً أن القوي الغربية جميعها تدرك أن مصر هي «حجر الزاوية» في المنطقة، ومثلما قال وزير الدفاع البريطاني في حواره لـ»الأهرام« إن مصر تمثل أساس الأمن والاستقرار بالمنطقة. والنقطة الثانية تتعلق برغبة ترامب في تطوير العلاقات الي شراكة ثم إلي تحالف مع مصر والسؤال هنا لماذا ؟.. والاجابة من الدكتور وليد فارس مستشار العلاقات الخارجية لترامب، الذي يقول «لأن هناك تحدي الارهاب والتطرف الفكري، وهو تحد مشترك للبلدين». وهنا فإن ترامب لا يعكس أفكاره فقط بل هذه «رؤية نخبة أمريكية»، واستطلاعات الرأي الأمريكية توضح أن قطاعاً عريضاً يشارك في تبني «الأجندة ذاتها». ويذهب فارس بعيداً ليقول إن ترامب سوف يسعي لإدراج الأخوان ضمن لائحة الجماعات الارهابية، والأهم هو أن ترامب وفريقه يري أن «مصر خط الدفاع الأول ضد الارهاب». وفي المقابل فإن كلينتون أعادت الحديث عن تطلعها إلي «مسار من أجل بناء مجتمع مدني جديد، ودولة حديثة تخضع لسيادة القانون وتحترم حقوق الانسان والحريات». وأحسب أن غالبية المصريين يتفقون من حيث المبدأ مع «الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة»، إلا أنهم يرفضون بشدة أن تتدخل واشنطن في الشأن الداخلي المصري»، أو أن تربط «المعونة» أو«الشراكة» بأي «هندسة» للمشهد السياسي الداخلي في مصر. وأعتقد أن ذلك «خط أحمر» وضعه المصربين دوماً، وجري تأكيده في 30 يونيو بإعلاء المطالبة باستقلال القرار الوطني المصري».

إذن هل نتوقف عن الحوار والاشتباك مع النخبة الأمريكية، أو نكتفي «بصيحات الاستهجان» مثلما يحلو للبعض هنا أن يفعل. والاجابة «بالقطع لا». بل لابد من تكثيف الجهد مع دوائر صنع القرار ومراكز الأبحاث والإعلام، وذلك نظراً لأن كلينتون والفريق المعاون هم أيضا يعكسون «أجندة أخري» لمنطقة الشرق الأوسط، ولمصر. وكلاهما كلينتون وترامب ينطلقون من بديهية «أهمية مصر» ودورها الذي لا غني عنه في المنطقة.

ويبقي أن النخبة المصرية عليها أن تسهم بالحوار فيما يتعلق «بالمطالب المصرية المهمة التي يجب أن يتم طرحها علي الجانب الأمريكي، ولعل القاهرة تبدأ بضرورة الحوار حول صفقة معونات عسكرية بـ 38 مليار دولار لمصر مثل اسرائيل، نظرا لأنها عقدت اتفاقية سلام، بالاضافة الي الخدمات اللوجستية التي تقدمها مصر والتعاون العسكري والأمني، وأخيراً لخوض مصر حرب ضارية ضد الارهاب.

والمطلب الثاني يتعلق بالدعم الاقتصادي وفقا لاتفاقية كامب ديفيد، وضرورة منح مصر معونة اقتصادية ضخمة 30 مليار دولار من أجل المساعدة في توفير الخدمات وتحسين التعليم والصحة والتدريب للشباب ومكافحة التطرف والمطلب الثالث يتعلق بتشجيع والعمل علي جذب «الاستثمارات الكبيرة» لمصر، خاصة الأمريكية في مجالات تكنولوجيا المعلومات وصناعة السيارات والمنسوجات والملابس الجاهزة، وقطاع التعدين.

والمطلب الرابع خاص بالعمل علي توقيع اتفاقية تجارة حرة مع مصر حتي يمكنها من التعافي. والمطلب الخامس خاص بالمساعدة والترويج لمشروع تنمية منطقة قناة السويس لأهميتها وحساسيتها للعالم ولأمريكا. وأحسب أن هذه فاتحة للنقاش، وهناك مطالب أخري سياسية تعرضنا لها ويعرفها الجميع وتتعلق بالمساعدة في حل مشاكل المنطقة خاصة «قضية فلسطين».

&