سليمان جودة&&

في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، سوف تجرى انتخابات البرلمان في المغرب، وسوف يكون إجراؤها في موعدها الطبيعي، إشارة إلى اكتمال أول تجربة للحكم، على يد حزب ذي مرجعية إسلامية، في العالم العربي، بامتداد تاريخه المعاصر!

الحزب هو «العدالة والتنمية» الذي يرأسه عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، ويحكم منذ خمس سنوات، بالاشتراك مع عدة أحزاب أخرى!

ولا بد أنها تجربة تستحق التوقف عندها، ثم تستحق التأمل فيها، لأن أحزابًا إسلامية مختلفة وصلت إلى الحكم، في أكثر من بلد عربي، ثم سقطت، أو انفض عنها الناخبون عند أول مناسبة انتخابية.. إلا تجربة «العدالة والتنمية» في المغرب التي دامت واستمرت من بدئها إلى نهايتها، دون أن تصادف في طريقها مطبات سياسية من النوع العنيف، أو من النوع الذي واجهته التجارب الأخرى في دول مجاورة للمغرب، وغير مجاورة!

ففي الجزائر المجاورة انصرف الناخبون عن الإسلاميين، ولم يعد لهم وجود يُذكر في الشارع السياسي.. صحيح أنهم موجودون، ولكنه وجود خجول إذا جاز التعبير.

فما عاشه الجزائريون في عقد التسعينات، جعلهم يتجهون لانتخاب أي مرشح، إلا أن يكون هذا المرشح منتميًا إلى حزب إسلامي، ولم يكن ذلك كراهية من الإخوة في الجزائر، للتجربة الحزبية السياسية الإسلامية، لمجرد أنها إسلامية، وإنما لأن ممارسات الإسلاميين، وتصرفاتهم، في البلاد، طوال تلك العقدية التسعينية، كانت عنيفة بأكثر مما هو محتمل، وكانت دامية بأكثر مما يطيقه بشر!

صحيح أن الجيش تدخل هناك وألغى انتخابات 1993 التي فاز فيها الإسلاميون، أو كادوا يفوزون.. غير أن إلغاء الانتخابات لم يكن يبرر أبدًا، أن يخرج الإسلاميون على المجتمع بالسلاح، ولا كان الإلغاء يستدعي أن تبدأ دورة من أعمال العنف الشديد، لتحصد في طريقها مائة ألف إنسان في أغلب التقديرات.. غير أن هذا ما حدث، وهو ما أشار لكل جزائري إلى أن الإسلاميين عمومًا، يريدون السلطة كسلطة في حدّ ذاتها، ولا يريدون شيئًا غيرها، وإذا لم يجدوها فإنهم يذهبون إلى معاقبة المجتمع كله.

وفي تونس، حكمت حركة النهضة الإسلامية لفترة قصيرة، ومؤقتة، بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، ولما جرت أول انتخابات رئاسية، فيما بعد ثورة الياسمين، فاز فيها الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، وخسر مرشح الإسلاميين، المنصف المرزوقي!

بالطبع لم يكن المنصف مرشحهم، بشكل رسمي، ولكن شواهد أيام الانتخابات، ووقائعها، تقول بأن «النهضة» أعلنت قبل الانتخابات أنها لا تساند مرشحًا محددًا، وأنها تترك لقواعدها حرية أن تختار المرشح الذي تراه مناسبًا، ثم تصرفت الحركة من وراء الستار بشكل آخر!

وفي ليبيا حاولت أطراف عربية، وغربية، فرض الإخوان والذين معهم، على الليبيين، ولا تزال الأطراف نفسها تحاول، ولكن دون جدوى.. ففي آخر انتخابات برلمانية هناك فاز الإسلاميون جميعًا، إخوانًا وغير إخوان، على أقل من واحد على خمسة من إجمالي الأصوات الانتخابية، وكان ذلك مؤشرًا لا تخطئه العين، على أنهم لا يملكون في الشارع ما يؤهلهم لأن يحكموا الليبيين، وقد يكونون أداة سياسية في يد حزب صاحب أكثرية للوصول إلى الحكم، أما أن يكونوا أصحاب أكثرية، فهذا ما لا تقول به آخر انتخابات ليبية!

وفي مصر يظل حالهم يغني عن سؤالهم، وتظل السنة اليتيمة التي كانوا فيها في السلطة، تنطق بأنهم ليسوا أهل حكم، وأنهم يفتقرون إلى الحد الأدنى من المبادئ اللازمة لإدارة أي عملية سياسية في البلد، وأن الخبرة السياسية عندهم صفر كبير، وأن السلطة، فوق هذا كله، مجرد هدف في حد ذاته!

إلا المغرب.. وإلا تجربته.. فمنذ اليوم الأول لوجود «العدالة والتنمية» في الحكم، كان ابن كيران يردد في كل مناسبة عامة، أنه لم يأتِ أبدًا ليفرض رؤيته، أو رؤية حزبه للإسلام، على المغاربة، ولكنه جاء ليجد حلاً لمشكلاتهم، وليطرح البدائل الممكنة في مواجهة مشكلات طارئة في حياتهم، وهو لم يكن يقول ذلك وفقط، ولكنه كان إلى حد كبير يقرن قوله بفعل.. قد تكون على الفعل في كل حالاته، أو في بعضها، ملاحظات، وقد تكون الملاحظات قاسية، ولكنها تظل تجربة حكم لحزب من هذا النوع، فريدة على كل حال.. تجربة حكم تقول إنهم في الحزب لا يزعمون أنه حزب إسلامي، وإنما يحرصون على أن يؤكدوا أنه حزب ذو مرجعية إسلامية، لا أكثر، وربما أقل.. تجربة حزب استوعبت إعصار الربيع العربي، ثم تجاوزته، ولا بد أن هذا يكفي في ميزانها، حين تكون التجربة موضع حساب.. تجربة حكم ليست مثالية، بالقطع، ولكنها عملية في أي ميزان!

ولعل أهم ما يمكن أن يكون في حساب انتخابات السابع من أكتوبر، قبل أن تجرى، أن أحدًا لا يستطيع أن يتنبأ بنتائجها على أي نحو، ففيها تتنافس أحزاب كثيرة، ولكن ثلاثة منها فقط مرشحة لأن يحصل أحدها على الأكثرية، ويشكل الحكومة الجديدة بالتالي، والثلاثة هي: «العدالة والتنمية»، و«الأصالة والمعاصرة»، الذي يحدوه الأمل، ثم «الاستقلال» الذي يصارع بقوة.. وهذا أجمل ما في الموضوع لمن يراقب القصة من بعيد مثلي!

&

&