&محمد المختار الفال

&تاريخ صراع المملكة مع «اللوبيات» المعادية في الساحة الأميركية مليء بالمحطات الصعبة، لكن التمسك بالحق واتباع الأساليب الناجعة كانا دائماً سلاحاً فعالاً في وجه الابتزاز.

ومن المحطات الصعبة، على هذا الطريق، ما نشاهده اليوم من تدافع حول مشروع القانون الذي يسمح لذوي ضحايا «11 سبتمبر» بمقاضاة الدول الضالعة في رعاية الإرهاب. وهذا «المشروع» يعد الأخطر في نظر خبراء القانون لأنه يؤسس «لمشروعية قانونية» تفتح الطريق أمام معركة مكلفة من ملامحها تسهيل عمل «اللوبيات» السياسية لتلتقي مع خطط منظمي الحملات الإعلامية وتحركات مجموعات الضغط. وفي الأسابيع الماضية تابعنا طلائع تلك التحركات والعمل الدؤوب المتلاحق من أعداء المملكة، في الشرق والغرب، لمساندة هذا القانون من منابر الإعلام وتوظيف الأصوات الكارهة، حتى بلغ الأمر أن تورطت بعض الصحف الكبرى في الولايات المتحدة في فتح صفحاتها لأقلام رسميين من دول معادية لتشن هجوماً ظالماً على المملكة والمطالبة بتخليص العالم منها، كما كتب «ظريف إيران».

لكن خطاب الرئيس أوباما إلى الكونغرس، برفض قانون «جاستا» يشير إلى أن عقلاء الدول الكبرى لم يفقدوا كل حكمتهم وبصيرتهم وتقديرهم لمخاطر هذا القانون المقترح وما يمكن أن يجره على العلاقات الدولية، وما قد يسببه من أضرار حقيقية على الولايات المتحدة لو انصاعت الإدارة إلى «هوجة» مجلسيها التشريعيين.

رفض الرئيس أوباما لمشروع القانون جاء «ليعقلن» ما أقدم عليه المجلس التشريعي، بغض النظر عن الاختلاف المعلن والمستتر بين الرياض وواشنطن خلال إقامة هذا الرئيس في البيت الأبيض، (وهو ما خيب توقعات الكثيرين في العالم العربي). موقف أباما، من هذا القانون كان واضحاً ومنطقياً ومجادلاً بالحق للمدافعة عن المصالح الوطنية الكبرى للولايات المتحدة من خلال المحافظة على القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين الدول وفق مبادئ من مصلحة الجميع، خصوصاً الدول الكبرى، المحافظة عليها وحمايتها.

وموقف الرئيس باراك أوباما المعلن بهذا الخطاب «يؤسس» لمواجهة «جاستا» بالوسائل القانونية ومخاطبة الرأي العام الأميركي ويفتح المجال للمناورة في منطقة «اللوبيات» التي تحكمها المصالح المباشرة وغير المباشرة.

أوباما، كان واضحاً، في رده على المشرعين الأميركيين، حين قال: «أعيد لكم، من دون موافقتي، «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب «جاستا» رقم 2040 الذي من شأنه – ضمن العديد من النتائج الأخرى – أن يرفع الحصانة السيادية في محاكم الولايات المتحدة الأميركية عن الحكومات الأجنبية التي ليست مصنفة كدول راعية للإرهاب». وبرر هذا الرفض العاقل بأن سن قانون «جاستا» لن يحمي الأميركيين من الهجمات الإرهابية، ولن يحسن فعالية الاستجابة لهذه الهجمات كما أنه، بصيغته الحالية، يسمح بالتقاضي الخاص ضد الحكومات الأجنبية في المحاكم الأميركية بناء على ادعاءات أن أعمال هذه الحكومات، خارج الدولة كانت مسؤولة عن إصابات متعلقة بالإرهاب على الأراضي الأميركية». وخاطب ضمير المشرعين ومسؤوليتهم وكاشف مواطنيه بأن هذا القانون المقترح «سيضر بالمصالح الأميركية على نطاق واسع.. ويهدد بالحد من فعالية استجابتنا للمؤشرات التي تفيد بأن حكومة أجنبية اتخذت خطوات خارج حدودنا لتوفير الدعم للإرهاب من خلال أخذ مثل هذه الأمور من أيدي الأمن الوطني ومتخصصي السياسة الخارجية ووضعها في أيدي المحاكم والمتقاضين».

أوباما لفت النظر إلى أن «قانون (جاستا) يحيد عن المعايير والممارسات المعمول بها منذ فترة طويلة تحت قانون الحصانة السيادية للدول الاجنبية»، وقال: «إن المضي على هذا الطريق سيزعزع المبادئ الدولية القائمة، منذ فترة طويلة بشأن الحصانة السيادية ويضع مكانها قوانين، إن طبقت على الصعيد العالمي، يمكن أن تكون لها تداعيات خطرة على المصالح الوطنية»، وقال: «إن رفع الحصانة السيادية، في المحاكم الأميركية، عن الحكومات الأجنبية، التي لم يتم تصنيفها كدول راعية للإرهاب من شأنه أن يهدد بتقويض هذه المبادئ التي حمت الولايات المتحدة وموظفيها منذ فترة طويلة». ولفت النظر إلى أن سن «قانون جاستا» يمكن أن يشجع الحكومات الأجنبية على العمل على أساس المعاملة بالمثل والسماح لمحاكمها المحلية بممارسة الولاية القضائية على الولايات المتحدة أو المسؤولين الأميركيين بما في ذلك رجالنا ونساؤنا في الجيش بزعم وقوع إصابات في الخارج عن طريق دعم الولايات المتحدة لأطراف ثالثة». وانتهى الرئيس باراك أوباما في خطابة المهم إلى أن قانون «جاستا» المقترح لا يسهم في تحقيق أهداف بلاده «ولا يعزز تأمين الأميركيين من هجمات مستقبلية ويقوض مصالح الولايات المتحدة».

تعمدت أن أنقل جوهر ما جاء في اعتراض الرئيس أوباما على مشروع قانون «جاستا» لمن يتابع هذه «الزاوية» أسبوعياً حتى يتفهم قناعتي بأن «موقف أباما يؤسس لمعركة مع من يقف وراء هذا القانون في الدوائر الأميركية ومن يدور في فلكهم من أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية، وحتى الدينية، وأن هذه المعركة يمكن لبلادنا أن تحقق فيها نتائج جيدة ما كانت تلوح في الأفق قبل الموقف الرئاسي. ربما يجادل البعض بأن ما بقي من فترة أوباما يجعل عمر «الاعتراض الرئاسي» قصيراً إذا جاء إلى البيت الأبيض من لديه رؤية مخالفة، ولهذا الاعتبار، يحسن المبادرة لاستثمار الوضع الحالي والتحرك على أكثر من مستوى وفي أكثر من اتجاه: فيمكن لبلادنا، بإمكاناتها وعلاقاتها، أن تتحرك في اتجاه الدول الآسيوية والأفريقية ودول أميركا الجنوبية للتنبيه بأن مبدأ فتح المحاكم المحلية لمقاضاة الدول سيفتح باباً لن يغلق وسيكون «سيفاً مسلطاً» على رقاب الدول الأقل قوة وسيضيف عنتاً على الدول فوق ما يفعله حق «الفيتو».

ويمكن للإعلام الراشد أن يثير الرأي العام العالمي حول المساس بحصانة الدول وأعضائها. ومطلوب استثمار حضورنا في المنتديات الاقتصادية ومشاركتنا في الجمعيات المهنية وحضورنا في الهيئات الحقوقية لبيان خطورة سلب الدول حصانة السيادة.

المعركة ليست سهلة وخبرات الكثير من مؤسساتنا ليست طويلة، لكن الاشتراك في مواجهة «خطر مقاضاة الدول» بالقوانين المحلية يتهدد سيادة معظم دول العالم وقد لا تنجو منه حتى بعض الدول الكبرى، ولهذا ليس من الصعب أن تصل الرسالة إلى الكثير من مراكز الضغط.

&