&أحمد الصراف

عندما ننظر الى أعظم أمم الأرض وأقواها وأكثرها ثراء، ثقافيا وعسكريا وطبيا وفنيا واقتصاديا، نجد أن شعوبها عادة ما تتكون من خليط كبير من الأجناس والأعراق والديانات والعادات. ونجد أن ما صهر هذه الأقليات جميعا مع الأغلبية، في قدر كبير، وجعلها أمما متجانسة، قادرة على أن تعطي البشرية الكثير، هو إيمانها بالعلمانية. العلمانية التي آمن بها آباء الدستور الأميركي، قبل 230 عاما وغيرها من الدول، وهي المبادئ نفسها، مع الفارق، التي آمنت بها أسرة الصباح في الكويت، والتي اختار حاكمها عام 1920 المخاطرة بالكثير جدا، من أجل الاحتفاظ بعلمانية الكويت «النسبية»، وذلك عندما رفض الرضوخ لمطالب زعيم الإخوان، الذي عرض عليه الصلح والأمان، وفك الحصار عن «القصر الأحمر»، في الجهراء، وبينهم الحاكم نفسه، الشيخ سالم مبارك الصباح، إن قبل الحاكم بترحيل الأجانب، من الكويت، ومنع التدخين وتناول المشروبات والمعازف وغيرها!

إن العلمانية ليست أمرا سهلا بحيث يمكن المرور عليها بخفة، أو تجاهلها، أو قيام الجهلة بتكفير المؤمنين بها، فهي بحق منهج الإنسانية جمعاء، مع احتفاظ كل طرف بمعتقده، وهي تحتضن كل شؤون الأمم، وتهتم بكل ما يؤدي الى رفاهية الإنسان من خلال إبعاده عن الضغائن والعداوات التاريخية والعرقية.

كما تسعى العلمانية الى تكريس وضمان حقوق الإنسان في جميع المجتمعات، بإعطاء كل فرد الحرية الشخصية والاستقلال الفكري. وهي احتجاج صارخ ضد كل أنواع الاضطهاد وضد كل استبداد، وهي ثورة ضد كل أنواع العبودية، وهي التسمية الأخرى للفطرة السليمة، أي التأقلم مع الوسائل المفهومة في المساواة والتعليم والحرية.

كما تعني العلمانية وتهتم ببناء الأوطان في عالمنا هذا، وليس في غيره، وتحقيق سعادة الإنسان، من خلال الاعتماد على نفسه. والعلمانية تعني أن نعيش أيضا من أجل أنفسنا، ومن أجل ان يساعد بعضنا بعضا. وتعني الحق في أن نعبر عن أفكارنا رغما عن كل المؤسسات المتحجرة، وتعني نهاية مشاريع أولئك الذين يتاجرون بخوف الآخرين من المجهول.

إن العلمانية تنظر للعمل كعبادة، والجهد كصلاة، والحكمة كوسيلة لإنقاذ البشرية، وتقول لكل إنسان اعتن بنفسك، لكي تستطيع الاعتناء بغيرك، وأن تزين حياتك بجواهر الأعمال الخيرة والجيدة.

فالعلمانية منهج يمكن أن تفهمه، لأنه لا غموض فيه ولا طقوس وتمتمات، ولا خداع ولا اجتهاد، ورسالتها للإنسان تقول: اعمل حتى يمكنك أن تأكل وتشرب وتلبس وتسكن، لكي تسعد، وليكون بإمكانك أن تعطي.

&

***

غالبية المقال مقتبسة من رسالة دونها المحامي والسياسي الأميركي روبيرت أنغرسول عام 1887.

&

&