&شما بنت محمد بن خالد آل نهيان

التعليم هو القاطرة التي تمضي وراءها حياة الإنسان، فمنذ أن يولد الإنسان وهو يتعلم، ولكن يبقى التعليم في المراحل الأولى من حياة الإنسان هو الأساس الذي عليه تُبنى شخصية الطفل، وتساهم في تكوين ذاته، وترسم ملامحه الإنسانية والعلمية والحضارية من خلال آليات التعليم داخل حجرات الدراسة وفي قاعات الأنشطة المختلفة، التي تبني الحس الفني والإنساني لدى الطفل لتتلاقى مع مرحلة لا تقل أهمية عن التعليم، وهي التشجيع على القراءة وتكوين رابط حقيقي وقوي بين الطفل والكتاب ليتشكل ثنائي التطور (العلم والمعرفة).

العلم يبني القواعد الراسخة التي عليها يشكل الطفل معرفته، وتطوير قدراته على التفكير والاستنباط والتحليل والوصول إلى الأفكار المدونة داخل النصوص. من هذا المزج تولد العقول المبتكرة.

برعاية المدرسة والآباء الواعية نخلق في الطفل القدرة على الإبداع، وإعادة إنتاج المعرفة لننتج أجيالاً واعية وعارفة وقادرة على التجديد ولا تحبس ذاتها في مدركات الأجيال السابقة فقط، بل تتخطاها إلى مرحلة التجديد والابتكار دون الإخلال بموروثات المجتمع القيمية، من هنا تحافظ الأمم المتطورة على تطورها وترتقي بنفسها ولا يوقف قافلتها التطورية شيء لأن الضمان هنا أجيال تواصلت مع ماضيها وأدركت حاضرها ومتطلعة لمستقبلها المتجدد.

لكي نستطيع أن نصل إلى إنتاج أجيال فائقة التطور، وتحافظ على مكتسبات مجتمعاتنا الحضارية وتساهم بشكل إيجابي في المستقبل، يجب أن نراعي الآتي:

أولاً: لننظر للتعليم من منظور إبداعي متجدد لا من منظور تلقيني متجمد كي تكون الحالة التعليمية متوهجة بالابتكار والتطوير وعلاج المشكلات بصور غير نمطية.

ثانياً: لنخرج من جدران الغرف ونجعل من التعليم حالة استكشاف لا حالة تلقٍّ، لنتخلص من هواء الغرف اللامتجدد إلى براح التفكير والبحث المتجدد، لنخرج من جدران التلقين إلى ساحات التفكير والإبداع من خلال زيادة مساحات الأنشطة اللاصفية والداعمة لتشكيل عقل قادر على التساؤل والتفكير وإعادة الإنتاج.

ثالثاً: لنستكشف قدرات ومواهب الأبناء، ونعيد تشكيل طاقاتهم العلمية والفكرية والفنية، فكثير من المواهب والطاقات تضيع في سوء الاختيارات لعدم الاعتماد على آليات حقيقية قادرة على استكشاف قدرات الأطفال ومواهبهم والتوجيه التربوي والتعليمي والمعرفي في طريق التنمية لهذه القدرات والمواهب.

رابعاً: الحرص على زرع فكرة أن طريق النجاح لا يعتمد على الذكاء والنباهة العقلية فقط، بل أيضاً يعتمد على الاجتهاد والعمل والمثابرة في التعلم والبحث وراء المعرفة.

خامساً: الحرص على تنمية روح الفريق في العملية التعليمية، فلا نقف على حدود أن النجاح في العملية التعليمية هو نتاج للجهود الفردية، بل لابد أن نضع آليات وطرقاً لقياس النجاح من خلال الجهود الفردية والاندماج داخل الفريق أيضاً، فذلك سيكون له الأثر الإيجابي العظيم على تكوين أجيال متماسكة ومتناغمة معاً.

سادساً: لنخرج من تقليدية الواجبات المنزلية، وأوجه دعوتي للخبراء في المجال التعليمي لقياس مدى جدوى الواجبات المنزلية في تطوير قدرات الطفل التعليمية ومدى إمكانية البحث عن بديل، أو الدمج مع بدائل أخرى لتطوير هذه الآلية التعليمية التقليدية، ففي حوار منشور على شبكة الإنترنت مع وزيرة التعليم في فنلندا سئُلت عن الأسباب التي أدت ليكون مستوى التعليم لديهم هو الأنجح في العالم قالت تركنا الطفل يعيش طفولته في البيت نعم نحتاج أن نترك أطفالنا ليعيشوا طفولتهم مع التعليم.

سابعاً: القراءة هي الطريق الحقيقي للمعرفة، لذلك يجب أن تكون القراءة منهجاً ونظاماً وليست مجرد نشاط جانبي مصاحب للعملية التعليمية، نحتاج المزيد من الاهتمام باختيار أمناء مكتبات لا يؤدون مهمتهم من منطلق روتين الوظيفة، بل يؤدونها من واقع الإيمان بقيمة الكتاب في صنع الإنسان، ليكون هناك برامج حقيقية تتعاون فيها المدرسة مع أولياء الأمور لخلق علاقة قوية ما بين الطفل والكتاب علاقة لا يحكمها الإلزام ولا النفور، بل تحكمها المتعة العقلية وحب المعرفة والبحث وراءها.

نحن في دولة الإمارات العربية المتحدة قطعنا أشواطاً كبيرة في تطوير العملية التعليمية بفضل اهتمام قوي وكبير من الدولة بالتطوير المستمر للمنظومة التعليمية والبحث عن كل جديد لبناء أجيال تحافظ على مكتسبات وطننا الغالي، والتي وضعته في مصاف الدول الواعدة والمتطورة لنبقى على درب المستقبل محققين كل تطلعات شعبنا الأصيل من أجل المزيد من التطور والحضارة والسعادة.