شملان يوسف العيسى

كثرت في الفترة الأخيرة الأطروحات الداعية إلى دعم وقبول الإسلام المعتدل لمواجهة حالة التطرف الديني والإرهاب.. فالأحزاب الدينية في كل من تونس والمغرب تدعي بأن أحزابها المعتدلة في المنطقة، هي البديل الحقيقي عن «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من المنظمات الإرهابية.

وزارة الأوقاف الكويتية ستنظم مؤتمًرا دولًيا في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لمواجهة التطرف والعنف والإرهاب، وسوف تشرف على المؤتمر اللجنة العليا لتعزيز الوسطية، ومن أهم أهداف لجنة الوسطية احتواء الشباب وتبصيرهم بالجوانب الشرعية والفقهية لحمايتهم من آفاق التطرف والإرهاب الدخيلة على ديننا الإسلامي.

السؤال: ما الرسالة التي تريد المنظمات والأحزاب المعتدلة الترويج لها وإقناع الآخرين بقبولها، خصوًصا أن الأحزاب والحركات الإسلامية وحتى الدول الإسلامية نفسها ليست متفقة على تعريف أو مفهوم واحد للإسلام المعتدل.. والدليل على ذلك أن بعض مشايخ الدين يختلفون في رؤيتهم من بلد إلى آخر؛ فبعض علماء الأزهر الشريف يختلفون عن بعض مشايخ الدين في السعودية مثلا، وملالي إيران لديهم رؤيتهم الإسلامية المختلفة عن علماء الدين في إندونيسيا أو الهند. نحن واثقون بأن علماء الدين في الدول الإسلامية لا يختلفون حول الإسلام، بل يختلفون حول التفسير والفهم الحقيقي للإسلام.

مشايخ الدين كبشر تتأثر رؤيتهم الإسلامية حسب البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يعيشون فيها.

هل يقبل الإسلام المعتدل الانفتاح على الآخر أًيا كان توجهه الديني أو المذهبي؟ وما هي الأولوية للدولة أو الحزب المعتدل؛ الدين أم المواطنة؟ تجربتنا المتواضعة مع الأحزاب الدينية في الكويت، وتحديًدا الحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمون) كانُينظر إليهم على أنهم معتدلون، ولهم شعبية لاُ يستهان بها في المجتمع الكويتي، هذه الحركة كانت مطالبهم وعظية ودينية تدعو لفضائل الأخلاق والدعوة إلى أسلمة القوانين ورفض التحالف مع الغرب.. ولكن هذه الحركة عندما وصلت إلى مجلس الأمة بدأت تطالب بتغير المادة الثانية من الدستور.. مما يؤدي إلى قيام دولة دينية يحكمها الشرع وليس القوانين المدنية في دولة مدنية.

ما نريد قوله إن هذه الحركات الإسلامية تحاول الوصول إلى السلطة بتبني أفكار الاعتدال والوسطية لنيل أصوات الناخبين.

الدول أو الأحزاب والتيارات التي تدعي الوسطية، هل لديها الاستعداد لتبني مفهوم المواطنة والتعايش السلمي الآمن مع الغير، وتبني مبادئ المساواة وعدم التمييز بين البشر بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق؟! بهذه الأفكار يمكن أن يعيش العالم المعاصر بأمن وأمان.

مشكلتنا في الدول والمجتمعات الإسلامية لا تعود في جوهرها إلى الدين، وإنما للفهم الخاطئ له، بمعنى الإسلام الذي نفهمه ونؤمن به هو دين التسامح والعفو واحترام الآخر، الدين الذي نريده بعيًدا جًدا عن السياسة، بمعنى فصل الروحي عن الأمني.

اليوم لم تعد شعوبنا تؤمن بالشعارات البراقة الزائفة والكلمات الرنانة التي تخاطب العاطفة بدلاً من العقل. المطلوب اليوم التدقيق في الأفكار والرؤى البديلة، سواء أكانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية التي تطرح علينا بشفافية ووضوح، وأن نتأكد من مصداقية المنتمين إليها من خلال مراقبة ممارستهم العملية على أرض الواقع، وأن لا ننخدع بالشعارات التي تدغدغ مشاعر البسطاء من الناس. الإسلام المعتدل مهما كانت طبيعته يفقد مصداقيته في اللحظة التي يقرر فيها فرض عقيدته أو مفاهيمه على الآخرين، سواء أكان ترغيًبا أم ترهيًبا، لأن قضية العقيدة متعلقة بعلاقة الفرد مع خالقه ويترك الآخرين أحراًرا يختارون ما يرضون لأنفسهم.

أخيًرا نرى أن الأفكار التي تدعو إلى التطرف لن تنتهي بهزيمة «داعش» عسكرًيا فقط دون القضاء على الفكر الذي روج وتبنى أفكار التطرف بين شبابنا، وحول الدعاة ومروجي الفتنة الطائفية في مجتمعاتنا العربية.