سميرة المسالمة

لم يعد نقد «الائتلاف الوطني» أو الدعوة إلى إصلاحه أو تطويره يقتصر على المعارضين من خارجه، إذ بات يشمل المنضوين في إطاره، وبعض قيادييه، وهذا أمر إيجابي، كونه دلالة على إدراك عمق الأزمة التي يعاني منها هذا الكيان السياسي الذي بات له من العمر أربعة أعوام. 

كما أن علينا الاعتراف بأن هذا الكيان لم ينجح في المهمات التي قام من أجلها، لأسباب تتعلق به ولأسباب مفروضة، إذ لم يستطع ترسيخ مكانته في أوساط السوريين في الداخل أو في الخارج، ولا تفعيل الكيانات السياسية العاملة في إطاره، ولا ترسيخ دوره في قيادة مسار الثورة وصوغ خطاباتها ورؤاها.

أيضاً، يستنتج من ذلك أن الثورة السورية لم تستطع أن تنتج الطبقة السياسية التي تمثّلها، أو الكيان السياسي الذي يعبّر عنها، رغم مرور أكثر من خمسة أعوام على انطلاقتها، ومع كل التضحيات الباهظة التي بُذلت، والتجارب الصعبة التي مرّت، والتحولات التي حصلت.

لذلك، ومع الاحترام للجهود التي بُذلت في بناء هذا الكيان (وقبله «المجلس الوطني»)، فإن حديثي سيتركز على نقده وتقديم اقتراحات لإصلاحه، لأن أهم التطورات والتحولات في الثورة حصلت في عهده، ولأنه الكيان السياسي المعترف به دولياً اليوم، والذي خاض تجربة المفاوضات كطرف ممثل للمعارضة في «جنيف 2». وأخيراً لأنني انضويت في إطاره، ولأنني أعتبر الائتلاف مؤسسة تخصّ السوريين جميعهم ولا تخصّ مئة شخصية تم اختيارها من دون معايير يُقاس عليها.

ورغم ملاحظتي أن هذه الدعوات أتت متأخّرة، وأن تشكيلة الائتلاف الحالية هي أكبر عائق أمام تطوّره أو إصلاحه، لأن الأشخاص المنوط بهم الإصلاح بعضهم مسؤول عن تردّي واقعه وتآكل مكانته وضعف فاعليته، خصوصاً أن بعضهم يستغل هذه الدعوات لطرح صيغ جديدة للائتلاف تتناسب مع مقاساته الشخصية والضيقة والمحدودة، بل وتحويله إلى شركة مُستولى عليها، ورغم أن احتمالات الأخذ بهذه المحاولات في شكل جدي ضعيفة، إلا أن من الواجب التحذير منها. لكن بالعودة إلى مشروعية التفكير وضرورة العمل في أسرع وقت للإصلاح والتطوير، فإن هذه الدعوات تستحق أن نضفي عليها صدقية، لأن هذا الكيان هو الموجود لدينا الآن.

ولعل الأجدى في تناول عملية الإصلاح التحلي بروح موضوعية ومسؤولة وعقلانية بعيداً من الروح الأنانية والذاتية والمزاجية، وأن يكون نبراسنا في ذلك تضحيات شعبنا ومعاناته ومصلحته، لا مصالحنا الشخصية أو مصالح كتلنا السياسية ولا اتجاهاتنا العقائدية.

بناء عليه أعتقد بأن إصلاح «الائتلاف» وتطويره يجب أن يرتكزا على الأسس الآتية:

أولاً: المطابقة بين الدور والبنية، وهذا حجر الأساس، فإذا كنا نعتبر كيان الائتلاف بمثابة هيئة سياسية للتمثيل الخارجي للثورة فهذا شيء، وأن نعتبره بمثابة قيادة سياسية أو بمثابة الكيان السياسي للثورة فهذا شيء آخر. التعريف أو الدور هو الذي يحدد طبيعة البنية، لذلك مطلوب منا حسم هذا الأمر والتعامل معه بجدية ومسؤولية. 

وهكذا، فاعتبارنا الائتلاف قيادة وكياناً سياسياً للثورة يفترض أن نبنيه على هذا الأساس، وهذا يتطلب فتح الائتلاف، الذي هو في الواقع ليس حزباً ولا شركة وإنما بمثابة جبهة وطنية، على كل المكونات السياسية والشخصيات الوطنية الكفوءة والمجربة والصادقة التي توافق على أهدافه المتعلقة بإنهاء نظام الاستبداد والانتقال إلى دولة مواطنين أحرار ومتساوين في نظام ديموقراطي يَضمن الحرية والعدالة. إذن مطلوب توسيع الائتلاف وإغناؤه وتجديد حيويته من دون أي اعتبارات انتخابية، فهذا ما يعزز مكانة الائتلاف بين شعبنا ويفرض احترامه وصدقيته على الدول المساندة.

ثانياً: المطابقة بين الهيئة ودورها، بحيث يعزز الائتلاف طابعه كهيئة جماعية وديموقراطية، ما يجعل الهيئة السياسية (القيادية) بمجموعها هي التي تقرر في الشؤون السياسية والإدارية والمالية، وليس شخص هذا المسؤول أو ذاك. أما دور الرئيس فيتحدد بتسيير الشؤون بين الاجتماعات بمشاركة أعضاء الهيئة المتواجدين في شأن القضايا الإجرائية السريعة، وهذا ينطبق على الأمين العام، الذي تتحدد مسؤوليته في الإشراف على الجوانب الإدارية والفنية في مقر الائتلاف. 

فلا يمكن هيئة أن تشتغل بعقلية جماعية ومؤسساتية وبروح الفريق، فيما بضعة أشخاص فيها يحتكرون سلطاتها ويشتغلون فيها وفق ما يعتقدونه أو أمزجتهم أو مصالحهم، فهذا مضر ولا يخلق روحاً جماعية ويتنافى مع الديموقراطية التي ندعي أننا نناضل من أجلها، ويجعل «الهيئة السياسية» هيئة صورية لمجرد مستشارين، ما يضعف الائتلاف ويقوّض صورته ويحط من قدرته على تعزيز مكانته والارتقاء بدوره.

ثالثاً: المطابقة بين الثورة وخطاباتها، فمن الضروري أن يكون الخطاب السياسي للائتلاف واضحاً وحاسماً في إنهاء الاستبداد وإقامة دولة مواطنين مدنية ديموقراطية تحترم التنوع والتعددية وتصون حرية الرأي والتعبير وتساوي بين المواطنين وتقوم على تداول السلطة سلمياً والفصل بين السلطات، علماً أن هذه المنطلقات جرى التأكيد عليها في الوثائق الأولى للمجلس الوطني والائتلاف ووثيقة «العهد والميثاق» التي أصدرتها جماعة «الإخوان المسلمين» في سورية في آذار (مارس) 2012، وتم التأكيد عليها أخيراً في رؤية المعارضة لمستقبل سورية التي قدمها السيد رياض حجاب في لندن، فمن شأن خطاب كهذا بناء إجماعات وطنية جديدة في مجتمعنا وتعزيز ثقة شعبنا بكل مكوناته بالثورة وفرض صدقيتنا على العالم، سيما بعد أن تضاربت وتباينت خطاباتنا أو ضعفت مع صعود الخطاب الطائفي والديني الذي لا يخدم إلا النظام.

رابعاً: المطابقة بين البنية والديموقراطية، فمع توسيع الائتلاف وإبقائه مفتوحاً على كفاءات شعبنا، من الضروري الحفاظ على حيويته وتجديد طاقته من خلال تدوير عضوية الهيئة السياسية لاستقطاب كفاءات جديدة وشابة، بإجراء الانتخابات كل سنة، والالتزام بعدم السماح بالتجديد إلا لدورة واحدة فقط لنصف أعضاء الهيئة وليس كلها، فنحن تشكيلة سياسية ولسنا هيئة حكومية ولا شركة تجارية.

خامساً: المطابقة بين السياسي والعسكري، وهذه مسألة غاية في الأهمية، وهي نقطة ضعف الائتلاف. لذلك يجب إيجاد الطرق والأطر التي تعزز علاقة المعارضة السياسية بالفصائل العسكرية، واستيعابها في الائتلاف، مع ملاحظة أن كيانات المعارضة ليست لها أنشطة أو مكاتب في المناطق التي تخضع للفصائل المسلحة، علماً أن هذه نقطة ضعف للمعارضة العسكرية أيضاً.

سادساً: المطابقة بين مصالحنا وعلاقاتنا الخارجية، ذلك أن أي معارضة يجب أن تنطلق من مصالح شعبها، وضمنها حقوقه والحفاظ على سلامة مسيرته، لأن هذا مبرر وجودها، فلا معنى للحفاظ على علاقتنا بهذه الدولة أو تلك، مهما كانت، إذا كان ذلك على حساب حقوق شعبنا أو إذا كان يحط من صورتنا أمامه ويظهرنا بمظهر التبعية والدونية إزاء الدول المساندة، أو إذا كان يؤثر سلباً على سلامة مسيرة ثورتنا ويجعلنا بمثابة ورقة للتوظيف.

سابعاً: تعزيز مكانة المرأة في الائتلاف، فلا يمكن الحديث عن واقع ثوري من دون النظر بطريقة جديدة إلى المرأة، سيما أن المرأة السورية صمدت وضحت وكافحت، وثمة العشرات اللاتي عرفن السجون قبل الثورة، ودفعن ثمناً كبيراً من حياتهن في سبيل حرية شعبنا وكرامته. المشكلة أن بعض من عندنا مازال لا يريد أن ينطلق من هذا المبدأ، أي تعزيز مكانة المرأة في مجتمعنا وفي ثورتنا، فيما يراها آخرون مجرد ديكور أو نزولاً عند المطالبات الخارجية، وهذا كله لا يفيد وهو خطأ، فثمة نساء سوريات أثبتن كفاءة في جميع المجالات، والقصد أن الائتلاف مازال مقصراً في إدراكاته هذا الأمر، ما يتجلى في تهميش مكانة المرأة في صفوفه، واستخدامها للدعاية الإعلامية له، وهو أمر يجب تداركه.

ثامناً: اعتماد مبدأ النقد والمسؤولية والمحاسبة، أي يجب إخضاع تجربتنا وإخضاع قيادة الائتلاف للنقد والمساءلة والتقويم والمحاسبة، إن في شكل جماعي أو فردي، فهذا من أبجديات العمل السياسي. والحركات الوطنية الحية الواثقة من نفسها هي التي تعزز هذه المبادئ، وهذا ما يعمق ويرسخ الروح الوطنية وروح المسؤولية والجدية فيها، ما يؤمّن التداول وتجديد الحيوية في صفوفها، ويضفي عليها الصدقية إزاء شعبها وإزاء الدول المساندة.

في الختام، لا ينبغي أن نمر على تجربتنا مرور الكرام. يجب أن نقدم كشف حساب لشعبنا عما قدمناه، وكل ما لم نقدمه، ويجب أن نكون واضحين وعلى قدر المسؤولية بأن نقول لشعبنا أين أصبنا وأين أخطأنا؟ ما الذي كنا نستطيع عمله وما الذي لم يكن باستطاعتنا عمله؟ ومع معرفتنا بالظروف الموضوعية والخارجية المعقدة والصعبة، لكن ما هي حصتنا من الإخفاقات أو التراجعات الحاصلة؟

أخيراً، أؤيد اقتراح الدعوة إلى عقد «مؤتمر وطني» يشارك فيه أوسع قدر من الكيانات السياسية والعسكرية والمدنية والشخصيات الوطنية الكفوءة لمناقشة أحوالنا، وأيضاً لدراسة سبل توسيع الائتلاف وتطويره بوصفه الكيان السياسي للثورة والمعبر عن كفاح شعبنا.