اميل خوري

لو أن إيران تريد انتخاب رئيس للبنان في الوقت الحاضر لكانت التقطت فرصة ترشيح حزبين خصمين سياسيين لها ("تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية") العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية وسهّلت انتخاب أحدهما للرئاسة. لذلك فإن كل حركة لاخراج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسية تبقى بلا بركة من دون إيران، لا بل تزيد الانقسامات داخل كتل وأحزاب فتزداد الأمور تعقيداً بدليل أن لا الحوارات أدت الى نتيجة ولا التحرّك الداخلي والخارجي، وأن كل ما قد ينتج من حركة الرئيس سعد الحريري هو أنه سيجد نفسه أمام مجموعة من الآراء والمواقف المتناقضة يصعب معها تكوين قاسم مشترك منها. وهذه الآراء تتوزع كالآتي:

أولاً: ثمة من يؤيّد ترشيح العماد عون للرئاسة من فريق 14 آذار ممن يقدم مصالحه الذاتية والمكاسب المالية على المبادئ، وأن عينهم على الثروة النفطية التي يحرمون منها إذا كانوا خارج السلطة، خصوصاً أنه لم يعد في امكان هذا الفريق الاعتماد على الدور السعودي المنشغل بنفسه وبحرب اليمن.

ثانياً: ثمة فريق يقدم المبادئ والثوابت الوطنية على ما عداها من مصالح خاصة ومكاسب مالية، ويرى في تأييد ترشيح عون إذلالاً وإذعاناً لإرادة "حزب الله" الذي يدعو الى تأييده بطريقة فوقية واستفزازية تجعل الاستسلام لها خسارة جديدة لشعبية الحريري وتياره. لذلك يفضل هذا الفريق الخسارة بكرامة وعزة على الربح بذلٍ عملاً بقول الشاعر: "واذا لم يكن من الموت بدّ، فمن العار أن تموت جبانا"، وقول شاعر آخر: "لا تسقني ماء الحياة بذلّة، بل فاسقني بالعز كأس الحنظل".

ثالثاً: وثمة فريق يتساءل: لماذا مطلوب من الرئيس الحريري وحزبه أن يدفع من شعبيته ثمن انتخاب عون رئيساً للجمهورية ولا تدفع هذا الثمن أحزاب أخرى بحيث تتوزع الخسارة فيخفف حملها، لا بل يصبح ترشيح عون شبه توافقي ووفاقي ولا يشكل انتخابه كسراً لأحد؟ وهذا ليس متوافراً في ترشيح عون. 

ويرى هذا الفريق انه اذا كان لا بد من انتخاب عون رئيساً للجمهورية، فليس على الحريري وحزبه دفع الثمن شعبياً، ولا على أي حزب خصم له، بل على ايران دفعه وذلك بأن تتعهد جعل "حزب الله" يضع سلاحه في كنف الدولة وفي اطار استراتيجية دفاعية تفيد الدولة منه، خصوصاً بعدما فتحت السلطة الفلسطينية باب البحث في السلاح الفلسطيني داخل المخيمات في لبنان وخارجها ليصبح الجيش وقوى الامن الداخلي فقط مسؤولين عن أمن هذه المخيمات وعن أمن الفلسطينيين الموجودين في لبنان، وأن يسحب الحزب مقاتليه من سوريا ومن غير سوريا ليصير في امكان لبنان اعتماد سياسية النأي بالنفس او "اعلان بعبدا"، فلا يظل اللبنانيون منقسمين بين شرق وغرب وبين هذا المحور أو ذاك وأرض لبنان ساحة مفتوحة لصراعاتهم. عندها لا يكون لانتخاب عون رئيساً للجمهورية ثمن لا تدفعه أحزاب هي على خصومة سياسية معه، بل يدفعه من يريد عون رئيساً ولمصلحة لبنان عندما تقوم فيه الدولة القوية السيدة الحرة.

رابعاً: ثمة فريق يريد الاتفاق على سلة متكاملة يكون الاتفاق عليها مدخلاً للاتفاق على الرئيس الذي قد يواجه وهو في مستهل عهده مشكلة حل الخلاف على ما في هذه السلة، مثل رئاسة الحكومة وتأليفها، ومثل قانون الانتخاب، عدا التعيينات في المناصب الكبرى الادارية والعسكرية. وهذا الربط بين الاتفاق على الرئيس وعلى ما في السلة مشكلة قد يكون من الصعب حلها قبل فوات الأوان.

لذلك فإن السؤال المطروح هو: هل إيران مستعدة لدفع ثمن ايصال عون الى الرئاسة، أم أنها تفضل في الوقت الحاضر بقاء سلاح "حزب الله" على وجود أي رئيس للبنان لأن هذا السلاح لم ينته دوره بعد والمنطقة في حروب نفوذ بين الدول وايران تطمح الى ان تصبح ايران الكبرى في المنطقة.

وليس جديداً أن يكون لانتخاب كل رئيس للبنان ثمن. وفي مؤتمر لوزان طلب الرئيس سليمان فرنجية تحسين شروط لبنان عند وضع دستور جديد فدفع ثمن ذلك حرباً ضده في منطقة الكورة. وعندما سهلت سوريا انتخاب رؤساء للبنان اشترطت على كل واحد منهم تأييد بقاء القوات السورية في لبنان تحت عنوان: "ضروري وشرعي وموقت"، وهي عبارة تضمنتها بيانات كل الحكومات. 

وعندما طرحت معادلة "السين - سين" كان مطلوباً من رئيس الحكومة سعد الحريري القبول بالعفو عن قتلة والده بعد صدور الأحكام عليهم في مقابل تخلّي "حزب الله" عن سلاحه للدولة لتصبح قوية وقادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، لكن سوريا فضلت بقاء هذا السلاح لأن له دوراً إقليمياً، ولأن في الامكان انتظار صدور الاحكام سنوات، وقد تبقى بدون تنفيذ ولا حاجة الى عفو.

لذلك فإن انتخاب عون رئيساً للجمهورية إما أن يكون ثمنه إقامة الدولة القوية التي لا سلاح غير سلاحها ليصبح انتخابه مقبولاً حتى من بعض خصومه، وإما أن يدفع ثمن انتخابه الرئيس الحريري وتياره من شعبيته ومن مبادئه، فيكون انتخابه إذعاناً للسياسة الايرانية في المنطقة.