سمير عطا الله 

 في هذه الحلقة، الجزء الثالث الأخير من رسالة الدكتور وليم بولك عن زيارته إلى المملكة:
«اليوم، التقيت الملك.. وكما كنت أتوقع، كان ودودًا تمامًا، صافي الذهن، وفائق الذاكرة مثلما قابلته يوم كان أمير الرياض. جلس يتحدث باسمًا، فيما وقف نجله سلطان خلفه بكل احترام. تحدثنا حول ترجمة قصيدة لبيد، وعن الشعر العربي بصورة عامة. حدثته عن العمل الرائع الذي يقوم به نجله سلطان، وقلت له إننا يجب أن نعمل معًا من أجل تطوير العلاقة، ليس فقط بين العالم الإسلامي والغرب، بل أيضًا مع (الشمال)، أي الصين وروسيا وأوروبا. وقال الملك إنه يبذل جهده في سبيل ذلك منذ عقود... وبعد نصف ساعة اعتذرت بأنني أخذت كثيرًا من وقته، خصوصًا أنه على موعد لإلقاء كلمته أمام مجلس الشورى، غير أنه رد بمودة: (لا عليك... إنني مستمتع جدًا بهذه الأحاديث)، وعندما حان أخيرًا موعد الانصراف، وقف وأمسكني بذراعي إلى صدر القاعة حيث أُخذَت الصور التذكارية. وديًا كان اللقاء، وودِّيًا كان الموعد التالي في المتحف الوطني، حيث ألقيت محاضرة عن رحلتي إلى النفود قبل 47 عامًا، وكان الحضور مصغيًا تمامًا... غير أنني وجدت أنني نسيت شيئا من العربية مع الزمن وتقدمي في السن. إن اللغات مثل العضلات، ترتخي مع الأيام.
«اليوم التالي كانت الرحلة إلى مدائن صالح، لكن هذه المرة على بساط سحري دبره لنا الأمير سلطان، هو عبارة عن طائرة ركاب نفاثة، حملتنا مسافة ساعة ونصف إلى شمال مدائن صالح النبطية الرائعة، إنها لمواقع أثرية رائعة، بعضها أكثر إبهارًا من البتراء، وفيها صخور رملية في حجم قصور، وثمة أبراج صخرية ضخمة، يبدو أن موجات بحرية قد نحتتها في الماضي السحيق.
«وإلى اليوم التالي، حيث عقدنا جلسة من المداولات في قصر الأمير فيصل بن سلمان، أمير المدينة المنورة. تحدّثنا عن الشرق الأوسط المضطرب. وكان هناك مجموعة من الخبراء بينهم الأمير محمد بن نواف، سفير المملكة في لندن، الواسع الاطلاع. تناول الحوار الأوضاع من تركيا إلى الصومال واليمن ومصر. وقد أذهلني انفتاح السادة الحضور وصراحتهم: لا دوغمائية ولا تجمد ولا غضب. كان لقاء بنّاء إلى حد بعيد، ولم تغب فلسطين في جميع اللقاءات. ومثل معظم العرب، يؤيد السعوديون منظمة التحرير، كما يتخذون موقفًا موحدًا من الإرهاب وفكرة الإرهاب.
«في اليوم الأخير من الزيارة استبد بي شيء من الحزن؛ لقد جاء يزورني في بهو الفندق، على كرسي متحرك، صديقي زامل، أحد رفاق الرحلة قبل 47 عامًا، لقد تدبر الأمير سلطان أمر نقله إلى هنا من على بعد 300 كيلومتر حيث يسكن الآن. ذكّرته بيوم شكوت من التعب، فقال لي (أنا بدوي، ابن بدوي، ابن بدوي منذ الزمن، وقد ركبت الإبل طوال عمري... وما زال ذلك يُتعبني)».