جيري ماهر

بعد زيارة الرئيس ميشال عون إلى الرياض، ومقابلته كبار مسؤوليها، والحفاوة التي استقبل بها من الجانب السعودي من جهة، ومن الجالية، وتحديداً في السفارة اللبنانية من جهة أخرى، ازداد الجميع يقيناً بأن شعبنا يبحث عن الشرعية، ولا يقبل بديلا عن العرب غطاء لها ولوطنهم، وأنه مهما أراد حزب الله وحلفاؤه تقويض العلاقات مع الخليج فإن خلاص لبنان وسلامه وازدهاره لن تأتي إلا من بوابة الخليج العربي نفسه. 

صحيح أن الرئيس عون لم يعد وطائرته قد شحنت بالأسلحة المقدمة من الهبة السعودية، وهو لم يأت وآلاف السعوديين يلحقون به للسياحة الشتوية في لبنان، ولكنه عاد وهو يحمل رسالة محبة واعتزاز وفخر من المملكة إلى الشعب اللبناني بكافة فئاته وأطيافه، هذه الرسالة التي تؤكد لشعبنا أن المملكة وقيادتها وشعبها لم ولن يتخلوا عن وطني، بل سيدعمون اقتصاده ونموه وجيشه وأمنه وسياسته ليبقى عربياً، وفي ذات الرسالة التي تحمل الأمل، تجد الحزم في رفض أي تدخل لإيران في سياسة وطني، ورفض أن يكون لحزب حرية وتفلت باستخدام السلاح غير الشرعي داخل البلد وحتى خارجه، لقد قالتها المملكة بوضوح على لسان كبار سياسييها، لبنان له خاصية عند المملكة، ولن نسمح بسقوطه في مصيدة الشر الإيرانية، ولكن هل الشعب اللبناني مستعد للدفاع عن حريته وسيادته واستقلاله ليبقى حراً عربياً وفي خط الدفاع الأول عن العرب؟ 
جاء الرد الشعبي اللبناني واضحاً بأن لا خيار لنا إلا الالتزام بمبادئ تربينا عليها وعلاقات أخوية كبرنا ونحن نتعلمها، وأهمها أن العرب إخوة، وأن ما نبحث عنه هو توحيد صفوفنا لا تشتيتها وتفريقها وزعزعتها من أجل أهداف إيران الخبيثة في المنطقة وأطماعها في الوصول إلى البحر المتوسط، وتصدير ثورتها الإرهابية إلى دول المنطقة تحت شعارات طائفية إرهابية، ووجدنا عند جمهور حزب الله نفسه من الشباب ترحيبا كبيرا بالزيارة وأملا بعودة السعودي إلى لبنان، لأنه الضامن الأول لحماية واستقرار الاقتصاد اللبناني الذي يعرف الجميع أن إيران لم تقدم له أي إضافة، بل بتحريضها الدائم لحزب الله على افتعال المشاكل والحروب أضرت بهذا الاقتصاد، وجعلته متراجعاً وغير مشجع للمستثمرين للعمل ضمن بيئته. 
إن الشعب اللبناني بكافة اتجاهاته السياسية رحب بزيارة الرئيس ميشال عون إلى السعودية، وبعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بانتظار المزيد من التطورات لخدمة الشعبين على كافة الجوانب، وأهمها الاقتصادي والأمني، وهذا الشعب سيكون الرافض الأكبر لأي تطاول مجدداً على المملكة من أي حزب لبناني يسعى جاهداً لتقديم فروض الطاعة لولاة أمره في مدينة "قم" الإيرانية، حيث يقبع شيطانها الأكبر خامنئي محرضاً منها على القتل والدمار والتفرقة والطائفية. 
رسالتي إلى المملكة العربية السعودية كمواطن لبناني هي ألا تسمح أبداً للإيراني عبر ميليشياته الإرهابية بفرض السيطرة على وطني لبنان، وأن يكون لبنان سيداً بسيادة المملكة، وأن تسهم بإعادة دعم الاقتصاد والمؤسسات اللبنانية، ومن أبرزها الكهرباء، وتقديم خبرتها في مجال النفط والغاز لخدمة لبنان في التنقيب عن ثرواته الطبيعية، ودعم سياحته والترويج لها، لأن لبنان هو بيت السعوديين الثاني، ولا يمكن أن يبقى السعودي بعيداً عن بيته الثاني مهما كانت الظروف، وفي النهاية يجب أن يعود حاملاً الأمل لعلاقات أفضل.
إننا في لبنان أكثرية مؤيدة لكل ما ورد في هذه الرسالة، فهل يتخلى عنا العرب من أجل فئة ضالة إرهابية؟ إننا نتوجه برسالة واضحة وصريحة اليوم إلى ولي أمر المسلمين سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده وولي ولي عهده بأن تبقى عين المملكة على لبنان، وليبقى الأمل عنوان المرحلة القادمة ممزوجاً بحزم في التعاطي مع من سيسعى إلى تخريب التحركات الإيجابية بين الشقيقة السعودية ولبنان، وأن تقدم المملكة لوطني ما يستحق من اهتمام ورعاية وعناية لينمو اقتصاده ويزدهر، ليخرج شعبنا من حالة الركود الاقتصادي التي يعاني منها منذ أكثر من 5 سنوات. 
كلنا أمل بأن المرحلة القادمة، وتحديداً بعد الانتخابات النيابية اللبنانية، وإعادة تشكيل الحكومة، ستكون لها انعكاسات أكثر من إيجابية، وعلى أساسها سيتم البحث والقرار في إعادة الهبة السعودية للجيش وقوى الأمن اللبنانية وغيرها من السياسات الاقتصادية التي فيها كل الخير والأمل للبنان وشعبه.
ستبقى أولى زيارات ميشال عون الخارجية إلى المملكة العربية السعودية، رسالة سياسية لبنانية إلى العالم أجمع، وخصوصاً الجانب الإيراني، أن العرب أولاً، وهذا ليس خياراً حكومياً فقط، بل هو خيار شعبي لبناني يمتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، مروراً بالبقاع والجبل وكافة الأراضي اللبنانية.