باسم الجسر

 يوم الجمعة المقبل يدخل الرئيس الجديد للولايات المتحدة البيت الأبيض، مبتدئًا ولايته التي يجمع المراقبون على أنها لن تكون ولاية عادية أو طبيعية، بل ستحفل بتحولات لم ينتظر الرئيس الجديد تسلمه لصلاحياته الدستورية كي يعلن عنها أو يبدأ بتنفيذها، على الصعيدين الداخلي والدولي.
ما من انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة لاقى ما لاقاه انتخاب الرئيس ترامب، من ضجة وتجريح سلبي، من قبل عدد كبير من رجال الفكر والمثقفين والليبراليين الديمقراطيين، حتى قبل أن يبدأ بممارسة حكمه. ففي تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية رئاسات مفصلية دفعت بالبلاد نحو أفق سياسي أو اقتصادي جديد، كرئاسة ويلسون في مطلع القرن العشرين التي أنشأت عصبة الأمم، وكرئاسة فرانكلين روزفلت في الثلاثينات التي أخرجت الولايات المتحدة من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعصرها، إلى رئاسة ريغان التي عززت الحرية الاقتصادية ونجحت في زعزعة أسس الاتحاد السوفياتي، إلى رئاسة أوباما التي لم تحقق كل ما علق عليها من آمال، ولكنها أوقفت التدخل العسكري الأميركي المسلح في العالم، وحملت نوعًا من الاطمئنان الصحي إلى 20 مليون أميركي، ولم تستعمل الفيتو ضد القرار الذي أدان إسرائيل حول الاستيطان في مجلس الأمن.
واليوم، كما يدل عليه انتخابه ويؤكده الرئيس الجديد بنفسه، فإن الولايات المتحدة دخلت مرحلة أو عهدًا جديدًا يصعب وصفه أو تحديده بالضبط، ولكنه عهد حافل بالتغييرات السلبية (كإلغاء قانون أوباما الصحي وبناء حائط طوله ألوف الأميال على الحدود الأميركية - المكسيكية). ولعل العنوان الأبرز فيها هو العواطف المتبادلة بين ترامب وبوتين، التي يمكن أن تنعكس إيجابيًا على الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن. ومن عناوين العهد الجديد إحاطة رئيسه نفسه بعدد من الجنرالات في المراكز الحكومية الكبرى. ومن المعروف أن تفكير العسكر يختلف عن تفكير السياسيين والدبلوماسيين. وأنه يعزز الأمن والسلامة على الحوار والديمقراطية.
إن العامل الأكبر الذي أسهم في اختيار الناخبين الأميركيين لترامب بدلاً من كلينتون كان الرغبة في التغيير وفي تعزيز سلطة الدولة في مقاومة خطر الإرهاب الدولي الجديد الذي يمثله «داعش»، ويشمل - في نظر ترامب، كما صرح - المسلمين الراديكاليين الذين هدد بمنعهم من دخول الأراضي الأميركية. ولكن هذه المواقف التي استجلبت له أصواتًا كثيرة في الانتخابات قد يتراجع عنها أو يخفف منها بعد أن يدخل البيت الأبيض.
الرئيس الجالس في البيت الأبيض، أيًا كانت أفكاره أو ميوله، ليس ديكتاتورًا يقرر وينفذ كل ما يخطر بباله، بل إن صانعي القرار في الولايات المتحدة يصل عددهم إلى الألوف من الباحثين والخبراء الذين يعدون الدراسات التي تصل إلى الأجهزة الحكومية العسكرية والمدنية التي بدورها تدرسها وتلخصها في تقارير ترسل إلى البيت الأبيض، ومن ثم تلخص في تقرير أو تقريرين تعرض على الرئيس ليتخذ قراره بشأن موضوعها. وغني عن القول أن انكباب مئات العقول على تمحيص موضوع ما هو نوع من الضمان الكابح لأي قرار اعتباطي أو متسرع يتخذه رئيس أو وزير في الولايات المتحدة والدول الديمقراطية عامة... ثم إن هناك الكونغرس والصحافة التي لها وزنها في السياسة الأميركية.
من هنا يجوز الاعتقاد أن ترامب (الرئيس) سوف يختلف عن ترامب (المرشح)، ولكن هذا لا يعني أن الحقبة الجديدة في تاريخ الولايات المتحدة لن تكون مختلفة عن التي سبقتها. لا بسبب التغيير الذي حصل على مستوى الرئاسة الأميركية أو الأكثرية الحزبية، على أهميته، ولكن لأن العصر الجديد الذي دخلت البشرية، دولاً وشعوبًا، فيه هو عصر يفرض تأقلم السياسة والسياسيين مع «العالم الافتراضي» و«الثورة التواصلية» و«حماية البيئة»، وهي عناوين جديدة باتت تتقدم على العناوين التقليدية التي كانت تحرك السياسة والسياسيين، حتى الآن.
لم يتبع انتخاب أي رئيس أميركي قبل ترامب ضجة انتقادات وتنديد كهذه الضجة الإعلامية في الولايات المتحدة، التي هبت بوجه انتخاب ترامب والمظاهرات التي شهدتها عدة مدن أميركية تهتف ضده. ولا يمكن للرئيس الأميركي الجديد أن يتجاهلها أو أن يسخر منها، كما فعل.
يبقى موقف الرئيس الجديد من الشرق الأوسط ومما يحدث في سوريا والعراق وغيرهما. فهل يصب الزيت على النار بنقل السفارة الأميركية إلى القدس؟ أم هل ينسق مع «صديقه» الرئيس الروسي كي تنتهي هذه الحروب الإقليمية - الدولية المشتعلة في الشرق الأوسط؟ الانطباع العام هو أن ما يهمه في الدرجة الأولى هو مقاومة الإرهاب ودعم إسرائيل وطمأنتها. اللهم إلا إذا دخلت قضايا وصراعات الشرق الأوسط في صلب الصفقة المؤمل عقدها مع الرئيس بوتين، التي تتناول مواضيع واتفاقات عدة أخرى. في مطلق الأحوال، شكل انتخاب ترامب ردة فعل شعبية أميركية تطالب بالتغيير من جهة، وتخشى امتداد الإرهاب إلى الولايات المتحدة. وهذا التيار السياسي الجديد لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل يمتد إلى عدة دول غربية تعرضت لعمليات إرهابية، وعززت الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي يتزعمها سياسيون من طراز دونالد ترامب.