سمير عطا الله

 تلك الليلة عاد عبد القادر ماشاريبوف إلى شقته متعبًا. أفاق طفله البالغ أربع سنين، على صوت والده يخلع حذاءه الثقيل، فبكى، فقام إليه، وقبّله في جبينه، وأسمعه في صوت حنون ترنيمة «نم يا حبيبي نم». فعاد إلى النوم. وأكمل خلع ثيابه. وارتدى ثوب النوم، وعينه على هاتفه الذي لم يرنّ حتى الآن. يريد أن يخطفه فورًا قبل أن توقظ الرنّة ابنه من جديد. قام إلى البراد، فتناول إحدى تفاحاته المفضلة، والهاتف في يده الأخرى. فجأة شعر برجفته قبل الرنة وقبل أن يسمع صوت محدثه قال: «غدًا، غدًا». لكن صوت الطرف الآخر عاد يلح: «هل فتحت التلفزيون؟». فقال في غضب: «أي تلفزيون يا بهيم؟ تريدني أن أوقظ ابني في هذه الساعة؟».
أغلق الهاتف ثم فتح الإنترنت في هدوء. تململ طفله من وهج الضوء فكاد يطفئ «اللابتوب». لكن الطفل عاد إلى نومه، نعاسه أقوى من فضوله. راح عبد القادر يقرأ الأخبار ويضحك. إسطنبول كلها ترتعد. صفارات الإسعاف تدوي في كل النواحي. الشرطة تتحزر: فاعل؟ فاعلان؟ أكثر؟ يضحك. ويقوم إلى تفاحة أخرى في البراد. يغضب عندما يرن الهاتف فجأة مرة أخرى، يجيب قبل أن يسمع طالبه: «هل أنت مجنون؟ سوف تتصل بك لطيفة من أجل التفاصيل».
فجأة يشعر عبد القادر بالتعب. يلقي برأسه على الوسادة ويضع مسدسه إلى جانبه، ثم يتأكد من غطاء ابنه، وينام. طقس إسطنبول بارد هذا الوقت.
الثامنة صباحًا، لكثرة ما هو متعب، لا يفيق على صوت دخول رفيقه عظمت وزوجته، أيقظه عظمت ضاحكًا: «العالم كله ضاج بك وأنت نائم؟». قامت زوجته إلى الطفل وأيقظته في حنو، ثم أخذت تعد الفطور. و«فلش» عظمت الصحف التي أحضرها. وقال يهنئ بطله: «لا يزالون يرفعون جثث الجبناء من البوسفور. أجرك عظيم. حفظكَ الله وحفظ أهلك ومحبيك. خذ هذه الصورة وتأمل وجوه أعداء الله، حكومة إردوغان».
يقاطعه عبد القادر: «آمل أنك لم تنسَ إحضار خبز مرمرة معك. مللت الخبز الإسطنبولي في الأيام الأخيرة. وأمس، بعدما انتهيت من مهمتي في مطعم الفجور، دخلت المطبخ أبحث عن شيء آكله، لكنني تذكرت أن المكان نجس، فركضت إلى التاكسي وأنا جائع. لا أدري ما حدث. فجأة، شعرت (بجوع شديد)».
بكى الطفل قليلاً، فالتفت يتأكد من أن زوجة رفيقه تقدم له الحليب الساخن، فابتسم لابنه بحنو. ووضع الطفل أصابع يديه في فمه علامة الفرح، ثم أشار يطلب المزيد من الطعام. لكن المرأة توقفت قليلاً عن إطعامه لتقول لعبد القادر: «إياك وأي حركة قبل وصول تعليمات جديدة. على كل زاوية عين، وصورك في الصحف. لا نريدك أن تفسد هذا العمل الجميل. سلمت يداك». ورسم عبد القادر شارة النصر بفرح، وقام يقبل طفله، الذي اهتز لمرأى والده يرفعه في الهواء قرب النافذة المطلة على البوسفور.