عبدالله العوضي

تمنيات العالم بالنسبة لسوريا على مدار العام الماضي لم تتحقق في «لوزان» التي لم تهبط على الأرض السورية بالسلام المرتقب، فقد قفزت «الأستان» على «لوزان» وتخطتها، بانتظار حمامة سلام أخرى هي نسخة من الحمامة الفلسطينية التي تحولت إلى هيكل عظمي بعد أن ملأت العالم بالبياض ولو في اللون وليس شرطاً للواقع الفلسطيني وما جرّت خلفها من ملحقات سورية وعراقية وليبية ويمنية، كل هذه البقاع بانتظار حمائم السلام التي لم تعط الفرصة الكافية لتحقيق السلام.

الدافع للانطلاق بالاجتماعات المكوكية المتلاحقة إلى «الأستان» هو الهدنة التي حلت على روسيا وتركيا والنظام اجباراً وإيران بعدم الالتزام اطلاقاً، هذه الهدنة التي ستقترب حتى ساعة حلول هذا الاجتماع الذي يرى فيه البعض رحيل الأسد عملياً بعد تشكيل حكومة مؤقتة تملك صلاحيات العمل على الأرض بدل البقاء معلقة في بلدان الجيران.

عاد تدوير وتدويل مسألة رحيل الأسد إلى الصورة العامة من جديد وهو الشرط الذي ينطبق عليه لزومية المعري غير الملزمة للنظام الحاكم منذ أكثر من نصف عقد من عمر الأزمة الطاحنة في سوريا التي بات شعبها تقريباً بالكامل مهجّرا بطريقة أو بأخرى.

وبدأ حديث ما قبل انعقاد ما يفترض فعله في «الأستان» لا القول به عن انتقال الحرب إلى مناطق سورية ليس «لداعش» أثر فيها، ومع ذلك يطالها القصف والتدمير باسم محاربة «داعش» هذا لغز يفترض أن يجد جواباً مقنعاً لدى المفترض حضورهم في «الأستان» وكانت تركيا قد لمحت قبل فترة بعدم احتكار هذا الاجتماع على دول معينة، بل إن كل الدول التي تهمها مصلحة هبوط السلام فيها ولو بالبراشوت العالمي مدعوة للحضور والمشاركة سواء في الكعكة المستقبلية أو المساهمة على أقل تقدير في شل حركة «الطائفية» في الحراك السوري الشائك لدى كل الأطراف، التي تخوض صراعات متداخلة ومتشابكة ومتناقضة ومتصادمة أحياناً.

من الناحية الميدانية فهناك أصوات عالية تنبه إلى خطورة محاولات بعض أطراف الصراع قطع مياه (نهر بردى) عن الشام، أي دمشق قلب سوريا النابض، وهي تمثل نحو 70٪ من المياه العذبة التي تغذي دمشق. وهو ما يوحي، إذا لم يسمح بحمامة السلام السورية بالهبوط على قلب الشعب كله بكل تفاصيله الفسيفسائية، بسقوط العاصمة بطريقة قطع شريان الحياة كما كان يدور الحديث حول انهيار سد الموصل منذ فترة أثناء عمليات تحريرها من ربقة وعبودية «داعش» لها، ومع ذلك أزمة تحرير الموصل حسب الخبراء بحاجة إلى ستة أشهر قادمة وقد تكون قابلة للتجديد شهوراً أخرى، فهي حرب ضد الإرهاب وحرب لعبة الكراسي في ذات الوقت، ترى أيهما تغلب الأخرى.

إذا كانت «الأستان» مجالاً للدوران إلى الخلف من جديد لمناقشة رحيل الأسد ومن خلفه النظام وحلول نظام بديل يخرج من رحم «الأستان» هذا يقال وهو ما يروج له، فإن الطريق الذي لم يوصل إلى «لوزان» انقطع، واتصل بـ«الأستان» وحتى حولها بسلام على كل المعنيين بالأمر السوري، ولا نعتقد أن هناك دولة في العالم ليس لها مصلحة في وقف هذا الانحدار السياسي في معالجة القضايا الشائكة أو مصلحة أخرى، بل خفية لاستمرار الوضع ودفعه نحو الأسوأ لتحقيق مكاسب مستقبلية أولها قد يكون التقسيم الإجباري الواقعي وليس آخرها صراع النفوذ بين أميركا وروسيا وتركيا وإيران، وليس هناك دولة عربية واحدة تريد أن تصبح أحد خيارات النفوذ القائمة، لأن العرب همومهم مشتتة ابتداء من فلسطين التي رجعت إلى ذيل القائمة حتى عندما نسمع عن طعنة في تل أبيب أو اختراق «حمساوي» في الخاصرة الأخرى.

فقائمة كارثة «الربيع العربي» يصعب حصرها رقميا، والدول النافذة تحاول إطالة أمد «الطائفية» هناك على حساب المصالح الأخرى حتى ساعة قطاف الثمار الميدانية لهذا الوضع المزري، فليس لصوت إعادة إعمار ما أكلته أمعاء الطائفيين من عظام البشر قبل حطام الحجر، فإن أهم قضية سوف تواجه النظام العالمي الذي لم تتضح معالمه بعد، هي كيفية ترميم الإنسان السوري بعد الانتهاء من الصراع على النفوذ ولو بعد عقود.