فاتح عبد السلام 

جاء‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬،‭ ‬والعالم‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬مشتعلة‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬التوقع‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬ليطفأها‭ ‬أو‭ ‬يحتويها‭ ‬أو‭ ‬يصب‭ ‬عليها‭ ‬الزيت‭ ‬أو‭ ‬يستحدث‭ ‬بدائل‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يهادنها‭ ‬أو‭ ‬يتجاهلها‭ ‬ويسد‭ ‬أبوابه‭ ‬عنها‭ . ‬تعليق‭ ‬آمال‭ ‬الدول‭ ‬والزعامات‭ ‬والناس‭ ‬أجمعين‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سيفعله‭ ‬ترامب‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يفعله‭ ‬،‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬دور‭ ‬أمريكا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محط‭ ‬أنظار‭ ‬البشرية‭ ‬،‭ ‬متناسين‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬ما‭ ‬صنعه‭ ‬سلفه‭ ‬أوباما‭ ‬من‭ ‬تحنيط‭ ‬للدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬وتضييع‭ ‬لهيبة‭ ‬الدولة‭ ‬الأعظم‭ ‬في‭ ‬بحور‭ ‬الصمت‭ ‬العميقة‭ ‬وعمليات‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ ‬وانتهاء‭ ‬وقت‭ ‬الإمتحان‭.‬

ترامب‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬المال‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬التاجر‭ ‬العملاق،‭ ‬يفكر‭ ‬بالربح‭ ‬والخسارة‭ ‬قبل‭ ‬أية‭ ‬خطوة‭ ‬،‭ ‬فهو‭ ‬ما‭ ‬جمع‭ ‬مالاً‭ ‬وعدده‭ ‬ليقبل‭ ‬أن‭ ‬تحمله‭ ‬سفن‭ ‬واهنة‭ ‬لا‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬الهائج‭ ‬،‭ ‬فتنقلب‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر‭ ‬،‭ ‬وتصبح‭ ‬مهمة‭ ‬الملياردير‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬التجارية‭ ‬وامتلاك‭ ‬الاسواق‭ ‬الى‭ ‬اللهاث‭ ‬للغوص‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬انقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬الغرق‭ . ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬تقبله‭ ‬عقلية‭ ‬الملياردير‭ ‬الطامح‭ ‬الى‭ ‬اخضاع‭ ‬العالم‭ ‬لكلمة‭ ‬امريكا‭ .‬

التصريحات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬لترامب‭ ‬،‭ ‬توحي‭ ‬بأنه‭ ‬يأخذ‭ ‬العالم‭ ‬الى‭ ‬حافة‭ ‬الهاوية‭ ‬،‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬سواه‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يمتلك‭ ‬المشاركة‭ ‬بالقرار‭ ‬،‭ ‬وكأن‭ ‬العالم‭ ‬غائب‭ ‬أو‭ ‬أسير‭ ‬أنفاسه‭.‬

إذن‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أتى‭ ‬إحساس‭ ‬العالم‭ ‬بالتوجس‭ ‬والخيفة‭ ‬والحذر‭ ‬والريبة‭ ..‬والهلع‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬مجيء‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكي‭ ‬الجديد‭ ‬؟

ربما‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الأسباب‭ ‬،‭ ‬وربما‭ ‬يطغى‭ ‬سبب‭ ‬رئيسي‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬مسحوق‭ ‬بشعور‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬هذا‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬يجتاح‭ ‬مناطق‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الارض‭ ‬بين‭ ‬حرب‭ ‬وأزمة‭ ‬وكوارث‭ ‬مالية‭ ‬ونفطية‭ ‬ومناخية‭ ‬واستباحة‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬مرَّ‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬وهم‭ ‬غارقون‭ ‬،‭ ‬دولاً‭ ‬وزعامات‭ ‬،في‭ ‬ارتكاب‭ ‬الخطايا‭ ‬والآثام‭ ‬الشنيعة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رقيب‭ ‬أو‭ ‬حسيب‭. ‬

كلٌ‭ ‬كان‭ ‬يحرق‭ ‬الكوكب‭ ‬من‭ ‬جهته‭ ‬ولا‭ ‬يبالي‭ . ‬وكأنهم‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬دهشة‭ ‬وصدمة‭ ‬،‭ ‬شعروا‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬حساباً‭ ‬ينتظرهم‭ ‬يبدأ‭ ‬بالاعتراف‭ ‬في‭ ‬دورهم‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬حال‭ ‬البشرية‭ ‬وثرواتها‭. ‬ولعلهم‭ ‬توهموا‭ ‬أو‭ ‬ظنوا‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬سيشهر‭ ‬عصاه‭ ‬الطويلة‭ ‬المنقوعة‭ ‬بالماء‭ ‬والملح‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬يقوم‭ ‬بدور‭ ‬مدير‭ ‬مدرسة‭ ‬المشاغبين‭ ‬الكبار‭. ‬

عذاب‭ ‬الخيال‭ ‬أحياناً‭ ‬أشد‭ ‬وقعاً‭ ‬من‭ ‬عذابات‭ ‬الواقع‭ .‬