سارة مطر

الآباء الذين خرج منهم أبناء إرهابيون، لم ينقلبوا يوماً على الحكومة، أو حتى لم ينددوا بتصريحات لجهات أخرى معادية، من أجل إثارة الفتن في المجتمع، بل كانوا آباء صالحين ومدركين بأن ما قام به أبناؤهم خارج عن قانون الدولة

الأسئلة عادة في حياة الكاتب مثيرة وعديدة، لذا فهي تدور بسرعة الضوء في محيطي تبحث عن الخلاص، عن نوع الإجابة الصائبة، ما هو العالم؟ من نكون؟ وكيف يمكن لنا أن نحكم قيمنا الشخصية مع الذين يختلفون فكرياً عنا؟ هل هناك تباعد بين هذا العالم وعوالم أخرى؟ هل نحن نعيش فكراً متحرراً بعيداً عن قواعد المجتمع؟ هل وعينا الذاتي قد وصل إلى الحد الطبيعي؟ كل هذه الأفكار تأتي للكاتب لكي تفتح عقله، وتدشن علاقة ثقة بينه وبين قيمة ما وصل إليه، كنت أتناول مشروباً محبباً لي، وكنت كلما قرأت خبراً عبر "انستغرام" أو "تويتر"، عما حدث في إحدى دول الخليج، أمعن النظر طويلاً في الكأس الأبيض الشفاف، وأحاول أن أفكر بأكثر من منظور لأقيم الوضع، وأقارن بين ما يحدث في وطني والدولة الجارة، التي قامت مؤخراً بتنفيذ حكم الإعدام في المحكوم عليهم الثلاثة المدانين في القضية الخاصة باستهداف قوات الشرطة بمنطقة الدية يوم 3 مارس لعام 2014، المدانون من المذهب الشيعي، وقد تم القبض عليهم بالجرم المشهود، وأظن أن أهالي المدانين لم يستطيعوا أن يتقبلوا الحكم، فأقاموا المظاهرات وجمعوا الحشود الهائلة، لإثبات أن الظلم قد وقع على أبنائهم القتلة، أما البعض الآخر فبدأ بالصياح أمام شاشات الأخبار التلفزيونية قائلين بصوت مملوء بالحرقة: "إنهم مجرد "جهال"، أي أن الجناة لا يزالون في عمر فتي ولا يفقهون شيئاً، إذاً فهذا يعني أن يكون لدينا هنا في المملكة أو في بقية دول الخليج، قانون جديد للأقليات، حيث لا يمكن أن تطبق عليهم الأحكام القانونية والتشريعية، نظراً لأنهم أقليات في المجتمع!
هذا ما كانت المظاهرات تود أن تقوله للحكومة، وهي تقوم بانتفاضة بسبب إعدام المدانين، بالضبط كما حدث إبان إعدام نمر النمر، الأمر برمته بدا في غاية المهزلة ويجلب الضحك، ففي السعودية يقوم رجال الأمن في الداخلية حماهم الله، بإفشال العديد من المخططات الإرهابية التي يمكن أن تطال المواطنين والوافدين على حد سواء، والداخلية لا يمكن أن تقصي أحداً من العقاب، لأنه يعود إلى قبيلة مضر أو قبيلة عدنان، القانون متساوٍ، سواءً أكنت سنياً أو شيعياً أو إسماعيلياً أو مسيحيا أو بوذيا، فالمجتمع السعودي يتواجد به الملايين من الوافدين ومن مختلف الديانات والمذاهب، فهل يعقل أن الحكومة تغض بصرها عن مقتل واحد من أفراد رجال الأمن أو من المواطنين، لأن المدان مجرد مراهق و"جاهل"!!
بعد أن تم القصاص في عام 2016 من 47 إرهابياً سعودياً، كان أغلبهم من أهل السنة، وكان من ضمن الإرهابيين نمر البقمي، وقبل القصاص سبق أن قام وزير الداخلية محمد بن نايف باستقبال أعيان وقبائل البقوم، وبالتأكيد من ضمنهم سهاج البقمي وهو والد الإرهابي نمر، حيث أكد سهاج لوزير الداخلية حينذاك، أن ولاءه وولاء أبنائه وأجداده لهذه الدولة المباركة، وهو ولاء متجذر في القلوب منذ بداية نشوء الدولة السعودية الأولى، وأن من شذ في تصرفه فهو يشذ على نفسه، واستعرض البقمي لوزير الداخلية بعض المواقف والقصص التي سطرها والده وجده تحت لواء الملك عبدالعزيز وأبنائه في بعض مراحل توحيد المملكة، وما قاموا من أعمال بالسمع والطاعة نالت إعجاب سموه.
وحينما تم القصاص من نمر البقمي، فاضت مشاعر الأب وأنشد سهاج البقمي شعراً، قال فيه "والله ما غلى من ولدنا ولا حي .. إلا الوطن وعيال صقر الجزيرة، ملكونا اللي فيهم للوطن في .. الفعل كايد والمواقف مسيرة" واختتم قصيدته قائلاً: "ولدك يا سهاج قدمه بني خي.. اقفت عليهم خيل قوم شريرة، مير الأمل باللي بالإسلام معني.. الحاكم اللي قايدن للمسيرة".
حينما تصدر الحكومة أمراً بالسجن أو القصاص من الإرهابيين، فجميعنا ندرك تماماً أن القانون فوق الجميع من دون استثناءات الجنس واللون والدين والمذهب، فكل من يعيث في الأرض فساداً، لابد أن يناله عقاب صارم لما قام به، لذا، ولله الحمد لم نشهد مظاهرات أو حتى فكر أحد منا بالتعاطف مع الإرهابيين، فقد قتل الإرهابي طايع الصيعري وزميله خلال عملية مداهمة لمنزله في حي الياسمين بمدينة الرياض قبل أسبوعين، وحينها خرج سالم الصيعري والد الإرهابي أمام الإعلام ليعلن تبرئه من ابنه "طايع" القتيل، وابنه الآخر "مطيع" المطلوب والهارب على قائمة الـ 9 الأمنية، بسبب انحرافهما الفكري وانضمامهما للجماعات الإرهابية. حيث قام "طايع سالم الصعيري" بتصنيع الأحزمة الناسفة التي استخدمت في العمليات الإجرامية في رمضان الماضي، بالقرب من المسجد النبوي الشريف ومستشفى سليمان الفقيه، إضافة إلى عمليات أخرى تم إحباطها.
ساهج البقمي وسالم الصيعري وغيرهما من الآباء الذين خرج منهم أبناء إرهابيون، لم ينقلبوا يوماً على الحكومة، أو حتى لم ينددوا بتصريحات لجهات أخرى معادية، من أجل إثارة الفتن في المجتمع، بل كانوا آباء صالحين ومدركين بأن ما قام به أبناؤهم خارج عن قانون الدولة، ويستحقون القصاص، وهو ما نجده يتنافى مع المشاغبين والإرهابيين في القطيف مثلاً أو في الدولة المجاورة، الذين يجدون أن ما يقومون به من أفعال تخريبية وقتل رجال الأمن، ما هو إلا دفاع عن أنفسهم وعن مجتمعهم، وأنهم يريدون نصوصاً تبرئهم مما قاموا به، حتى لو كانت كل الأدلة تشير إلى تورطهم.
وهنا نجد الاختلاف الواضح في كيفية التعاطي الفكري والعاطفي مع الأحداث، بيننا نحن السنة وأصحاب المذهب الشيعي، الذين يبكون على قاتلهم ويجدون أن القتيل يستحق الموت على أيديهم، ولا يريدون أن يكون هناك أي نوع من العقاب للقتلة، فقط لأنهم "جهال"، تُرى أي مجتمع يمكن أن يقبل بتطبيق فرضية هذا القانون العنصري؟ حيث التماس الأعذار للأقليات والطوائف، لأنهم يشعرون بأنهم مظلومون على الدوام، وأنهم يستحقون أن تكون الأحكام عادلة من وجهة نظرهم، حيث لا يمس لهم طرف؟ ترى أي قاضٍ عاقل سيقبل بتطبيق مثل هذه القوانين العاطفية والعنصرية، فقط لأنهم أقلية!