عبداللطيف الضويحي 

لا أذكر حملةً انتخابية أمريكية خلال السنوات العشرين الماضية لم تكن منطقة الشرق الأوسط هي أبرز محاور سياستها الخارجية، كما أنني لا أذكر مرشحا جمهوريا أو ديموقراطيا خلال الـ 20 سنة لم تكن حماية إسرائيل والدفاع عن مصالح إسرائيل هما أبرز محاور سياسته الخارجية.

حتى أوباما بخلفيته الحقوقية القانونية وبعلاقاته الفلسطينية التاريخية وبخلفيته الأفريقية المسلمة، قدم للكيان الصهيوني أكبر دعم مالي في تاريخ العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني.

رغم الفجوة الكبيرة والتناقض الكبير بين

مواضيع أخرى

جائزة للمرأة!

أوباما الديموقراطي ذي الأصول الأفريقية والمنفتح على الأقليات والراسخ القدم في القانون والثقافة الحقوقية، وبين الرئيس دونالد ترمب، الجمهوري الأبيض، الراسخ القدم في عالم المال والأعمال والثراء، المناوئ للأقليات والمرأة والملونين والمسلمين، إلا أن الإثنين يلتقيان عند أمن وحماية ومصالح إسرائيل. فهل إسرائيل أهم من أمريكا بالنسبة للرئيس الأمريكي؟

يحق لنا أن نسأل القانون الدولي أو القانون في كل من أمريكا والكيان الإسرائيلي: «من يُديرُ مَنْ... أمريكا وإسرائيل...؟» أو ربما يكون السؤال الصحيح هو: «مَنْ يملكُ مَنْ... أمريكا وإسرائيل؟».

وبكل الأحوال نحن أمام حالتين أمريكية وإسرائيلية لا تكترثان كثيرا للقانون الدولي، فالكونغرس الأمريكي شرع أخيرا قانون جاستا الذي ينسف القانون الدولي ويتعارض مع مبادئه ويقوض أسس العلاقات الدولية، وذات الكونغرس صوت قبل أيام ضد قرار مجلس الأمن الدولي الذي يقضي بعدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي ويطلب وقفه لهذا الاستيطان.

رغم الوعود التي يقطعها عادةً مرشحو الرئاسة الأمريكية للناخب الإسرائيلي (أقصد الناخب الأمريكي) بحماية بنقل سفارة بلدهم من تل أبيب إلى القدس، إلا أن هذه الورقة لا تلبث أن تسقط أمام الصعوبات والتحديات فلسطينيا وعربيا ومسيحيا وإسلاميا ناهيك عن القانون الدولي.

اليوم نحن أمام وعد من الرئيس الأمريكي الجديد بأنه سينقل سفارة بلاده إلى القدس، ويبدو أنه وعد سيأخذ طريقه للتنفيذ ما لم تقع معجزة فلسطينية أو عربية في الأيام القليلة القادمة. هذا الوعد ليس بسبب برنامج الرئيس ترمب، إنما يأتي هذا الوعد لأن الطبخة المعدة لفلسطين منذ وعد بلفور قد نضجت واستوت حسب الطاهي الإسرائيلي وحان افتراس فلسطين بكاملها.

فالفلسطينيون تقطعت بهم السبل بين فريق رام الله الذي يرى شرعيته في اتفاقية أوسلو، وفريق يرى شرعيته من الشعب لفوزه بالانتخابات حسب اللعبة الديموقراطية، بينما فريق ثالث يستمد شرعيته من ثورة الشعب الفلسطيني منذ بداية حركة التحرير والاستقلال ويرى الخيار بالمقاومة، كما أن فريقا رابعا يرى الجمع بين العمل السياسي والتفاوض مع الإسرائيليين من جهة مع إبقاء المقاومة، وهذا هو ما تقوم به كل حركات التحرر في العالم.

العرب في أسوأ حالات التضامن مع القضية الفلسطينية. فمنذ الربيع العربي، يعيش العرب حالة نفسية سياسية منكفئة قطريا وفي صدمة وانشغال بالأزمات الداخلية. وحتى جامعة الدول العربية فقدت توازنها وأظنها فقدت بوصلتها في الموضوع الفلسطيني وفي كثير من القضايا.

هناك تزامن غريب بين ما يجري في البلدان العربية من اضطرابات مع اقتراب نهاية اتفاقية سايكوس بيكو، ما يثير قلقا وعلامات استفهام حول المستعمرين القدماء من بريطانيين وفرنسيين وعثمانيين، وأن المشهد الإرهابي هم من يديره ومعهم المحتلون من إسرائيليين وأمريكيين.

هذا يعني أن التاريخ يعيد نفسه لأننا كعرب لم نتعلم أن البقاء حيث أنت غير ممكن، فما لم تتقدم دولنا العربية للأمام باتجاه الوحدة والتنمية بأنواعها المختلفة، فلن يدعك المستعمرون حيث تركوك، إنهم يتربصون بك ويتحينون بك الفرصة.

إن ما يجعل وعد ترمب قاب قوسين أو أدنى هو التشابه الكبير بين ظروف صدور وعد بلفور وظروف صدور وعد ترمب فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا ودوليا.

أيها العرب.. إن ما جمعكم خلال العقود الماضية هي فلسطين والقضية الفلسطينية، وليست جامعة الدول العربية، فإذا ما تشظت واندثرت القضية الفلسطينية بمصادرة القدس، فإن ذلك يعني نهاية أي رابطة عربية وأي مشروع عربي بما في ذلك جامعة الدول العربية، لأن أيقونة القضية الفلسطينية هي القدس لرمزيتها القدسية المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين. فالتفريط بها لصالح إسرائيل، يعني التفريط بكل الحقوق الفلسطينية. ولذلك أقول إن من يكسب القدس سلما أو حربا في معركة العواصم، سيكسب فلسطين كلها.

فيا أيها الفلسطينيون ستضيع فلسطين إن ضاعت القدس، ويا أيها العرب ستضيع رابطتكم العربية وبقايا وحدتكم إذا ضاعت فلسطين.

إنه ليس من الصدفة أن يتزامن ذكرى وعد بلفور لتقسيم فلسطين ومنح ما لا يملك لمن لا يستحق مع وعد ترمب بمصادرة القدس ومنحها للكيان الصهيوني على حساب القانون الدولي والحقوق الفلسطينية العربية.