أحمد يوسف أحمد

بدأ ترامب ولايته بخطاب غير مألوف على الأقل من زاوية افتقاده اللياقة الدبلوماسية فقد وصف يوم تنصيبه بأنه ليس يوم انتقال السلطة من رئيس إلى رئيس أو من حزب إلى حزب، ولكنه يوم انتقالها من واشنطن إلى الشعب، وهو ما يتسق مع حملته الانتخابية التي كان هذا المعنى شديد الوضوح فيها. ولاشك أن هذا ينطوي على إهانة لكل من سبقه من رؤساء بمن فيهم آخرهم أوباما الذي لا ينبغي أن ننسى رغم عثراته وتوجهاته وسياساته الغريبة تجاهنا أنه أقال الولايات المتحدة من عثرتها الاقتصادية بعد التراجع الحاد في عهد سلفه الجمهوري. وعندما يقول ترامب إن السلطة في ذلك اليوم قد انتقلت من واشنطن إلى الشعب فهو يضع نفسه في امتحان عسير رسب في أول إجابة عن أسئلته، فقد كانت زيارته الأولى بعد يومين من تنصيبه للمخابرات المركزية الأميركية حيث أبدى إعجابه بها وتقديره لها، وقال نصاً إنه يحب رجالها، وأنحى باللائمة على الإعلام الذي حاول من وجهة نظره تخريب علاقته بها، بما يعني أن أياماً صعبة تنتظر علاقته بالمؤسسة الإعلامية الأميركية المتدهورة أصلاً.

ولم يكتف ترامب بتأكيد نزعته الشعبوية بتصوير نفسه على أنه منقذ الشعب من المؤسسة الحاكمة، وإنما واصل ذلك بشعار «أميركا أولاً» الذي يعني من الناحية الفعلية إدارة الولايات المتحدة ظهرها لحقائق العولمة التي كانت رائدتها فستكون الأولوية لشراء المنتجات الأميركية ولتوظيف الأميركيين، بل هدد بفرض رسوم باهظة على المنتجات التي تُصنع خارج الولايات المتحدة للاستفادة من العمالة الرخيصة. وفي مجال الأمن تحدث عن حماية الحدود الأميركية من الفوضى في إشارة لفكرة بناء الأسوار التي كان قد هدد بها خلال حملته الانتخابية، وعن إعطاء الأولوية للجيش الأميركي الذي كانت الإدارات السابقة، من وجهة نظره تدعم جيوش دول أخرى على حسابه، وعن نظام دفاعي مبتكر للحماية ضد هجمات إيران وكوريا الشمالية. وفي المجال الخارجي لاشك أن التوجهات السابقة ستكون لها تداعياتها الخارجية، فبناء الأسوار يثير بالتأكيد حفيظة الجيران، والتهديد بفرض رسوم جمركية باهظة على المنتجات التي تصنع خارج الولايات المتحدة يثير حفيظة دولة كألمانيا -مثلاً- ستكون صناعة سياراتها من أوائل ضحايا سياسة كهذه. وفي مجال التحالفات الدولية تحدث عن تعزيز التحالفات القديمة وبناء تحالفات جديدة، وهو تعبير عام لا يعني شيئاً محدداً، لأنه لو أصر على تحميل أعضاء حلف الأطلسي تكاليف مالية باهظة فقد يفضي هذا إلى السير قدماً في طريق بناء بديل دفاعي أوروبي، وخاصة أن التوجهات الأميركية في ظل ترامب لن تكون مضمونة. كما أكد أيضاً أنه سيحاول توحيد العالم ضد التطرف الراديكالي الإسلامي لمحوه من على وجه الأرض. ويلاحظ بالإضافة إلى ذلك أنه قد تحدث أيضاً على نحو غير مباشر عن القيادة الأميركية للعالم عندما قال إن الولايات المتحدة في عهده ستحدد طريقها وطريق العالم كله لسنوات قادمة، غير أنه أكد أن سياسته الخارجية لن تهدف لفرض النفوذ الأميركي على الدول الأخرى، وإنما سيتم تقديم نموذج جيد يمكن أن يُحتذى به.

لم يشر ترامب إلى إسرائيل أو روسيا أو الصين بحرف، وربما يمكن تفسير ذلك بأن موقفه من إسرائيل بدهي لأن الأمل في أن يكون قد تبين كأسلافه حساسية نقل سفارته إلى القدس غامض، كما أن تجنبه الإشارة إلى روسيا أو الصين قد يكون هروباً من قضايا شائكة في سياسته الخارجية. ويجب ألا ننسى أن خطابه كان مرتجلاً، وبالتالي قد يكون التفسير ببساطة أنه قد نسي. وفي مقالة الأسبوع الماضي أشرت إلى المظاهرات الشعبية التي أعقبت فوز ترامب الذي لم يكن شعبياً وإنما يرجع الفضل فيه لنظام الكلية الانتخابية، وقلت إن هذه المظاهرات جديدة على الديمقراطية الأميركية، غير أنني لم أتصور أن تتواصل المظاهرات بقوة أكبر بعد تنصيبه، حتى أن المشاركين فيها فاقوا ضعف المشاركين في حفل تنصيبه. وهكذا يسلك ترامب في سنوات حكمه القادمة طريقاً وعرة يصطدم فيها باعتراض شعبي غير مسبوق، ناهيك عن عداء المؤسسة الإعلامية ونخبة المثقفين والفنانين.