ميشال أبو نجم

لم يتغير ترتيب المرشحين في الدورة الثانية من انتخابات اليونيسكو التي جرت عصر أمس، حيث عاد المرشح القطري حمد بن عبد العزيز الكواري إلى احتلال المرتبة الأولى بحصوله على عشرين صوتا مقابل 19 صوتا في الدورة الأولى. وحلت الفرنسية أودري أزولاي في المرتبة الثانية، لكن دون أن تحصل على أصوات إضافية؛ إذ بقيت عند حدود الـ13 صوتا. واحتلت مرشحة مصر مشيرة خطاب المرتبة الثالثة، حيث حصلت على صوت إضافي (13 صوتا مقابل 12 صوتا في الدورة الأولى). وجديد الدورة الثانية خسارة المرشحة اللبنانية فيرا خوري لاكويه نصف الأصوات التي حصلت عليها الاثنين، وتعادل مرشحا الصين وفيتنام بحصول كل منهما على خمسة أصوات. وشهد يوم أمس انسحاب مرشح أذربيجان في حين يتوقع اليوم انسحاب مرشحين آخرين؛ الأمر الذي سيساعد على «توضيح» الصورة التي بقيت حتى مساء أمس ضبابية وقابلة للتحرك. وجاءت نتائج الأمس لتجعل أفق المرشحة اللبنانية يميل إلى الانغلاق؛ إذ إنها تتناقض مع التوقعات التي تحدث عنها فريقها الذي كان يأمل الحصول على أصوات إضافية (ما بين صوتين وثلاثة أصوات).


وأبلغ مندوب دولة عربية «الشرق الأوسط» بأن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا صوتتا في الدورة الأولى لصالح خورى لاكويه وليس لصالح المرشحة الفرنسية، وهو ما أكدته أيضا لـ«الشرق الأوسط» مصادر فرنسية رسمية. ورغم تراجع أصواتها، فإن أوساط المرشحة اللبنانية قالت أمس إنها «مستمرة» في المعركة. لكن يبدو بوضوح أن التراجع الذي لحق بها يجعل وضعها بالغ الهشاشة، ويطرح بلا شك مسألة بقائها في الميدان أو انسحابها منه.


أما أوساط المرشحة المصرية مشيرة خطاب التي حسنت وضعها بالحصول على صوت إضافي، فقد رأت في ذلك «إشارة جيدة» لمصير معركتها التي تأتي بعد 8 سنوات على المعركة التي خاضها في اليونيسكو وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، حيث حصل في دورة الانتخابات الرابعة على 29 صوتا، ولم يكن ينقصه سوى صوت واحد ليصبح مديرا عاما للمنظمة الدولية.
حقيقة الأمر، أنه حتى الآن لم يبين أي من المرشحين عن تمتعه بـ«دينامية» كافية لإيصاله إلى التربع على عرش اليونيسكو. فالمرشح القطري ما زالت تنقصه عشرة أصوات للفوز. والسؤال هو: من أين سيحصل عليها علما بأن المرشحة المصرية لن تخرج من السباق في أي حال من الأحوال وفي حال خرجت منه فإنها لن تدعو أبدا، ولأسباب سياسية واضحة، للاقتراع لصالح المرشح القطري. ورغم حلول المرشحة الفرنسية أودري أزولاي في المرتبة الثانية والفارق الكبير بين ما حصلت عليه وما حصل عليه المرشح القطري في دورتي الانتخاب الأولى والثانية، فإن المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس اعتبرت أنها «تتمتع بحظوظ للفوز بإدارة اليونيسكو». وبحسب هذه المصادر، فإن ذلك يعود لـ«خزان الأصوات» التي تستطيع الاعتماد عليها لسد الفجوة بينها وبين المرشح القطري من جهة، وبالتالي التفوق عليه في الجولة الرابعة أو الخامسة. لكن المشكلة بالنسبة إليها أنها لم تحسّن أداءها بالأمس، ولم تستطع اجتذاب أصوات إضافية رغم الماكينة الدبلوماسية الكبيرة التي تعمل لصالحها، أكان في رئاسة الجمهورية أم في وزارة الخارجية.
بيد أن هذه المصادر شددت على ضرورة «التحلي بالحذر» في الحكم على النتائج النهائية للانتخابات التي تنصف بشكل استثنائي بـ«الغموض والميوعة»؛ ولأن توزع الأصوات في الجولتين الأولى والثانية يمكن أن يتبدل كلما تم الاقتراب من الجولتين الأخيرتين. وبرأي هذه الأوساط، فإن هناك ما يشبه «الحائط» الذي قد يصعب على المرشح القطري اختراقه «رغم الموارد المالية الضخمة الموضوعة بتصرفه»، ورغم «الوعود الكثيرة والكبيرة التي نثرها». ويتذكر الجميع في اليونيسكو أنه قال مباشرة عقب ترشحه إنه «لا يأتي خالي اليدين». وبأي حال، فقد فوجئت باريس بتصدره الجولتين الأولى والثانية، وهي، ككل الأطراف الأخرى المعنية، أخذت تركز انتباهها على الدورة الثالثة التي تعتبر أنها ستكون «حاسمة» لجهة تقرير مصير هذه الانتخابات.
وفي الساعات الأخيرة، نشطت الاتصالات بين الوفود ومع المرشحين الذين لم يأتوا في المقدمة لحثهم على الانسحاب وتجيير أصواتهم. وبعد أن كان أول الغيث انسحاب مرشح أذربيجان الذي حصل في الدورة الأولى على صوتين بالتساوي مع مرشح فيتنام الذي ينتظر أيضا انسحابه. إلا أن الأخير حسّن أوضاعه، وبالتالي أصبح انسحابه مستبعدا.
واستمرت أمس التساؤلات بشأن النتائج الضعيفة التي حصل عليها المرشح الصيني «خمسة أصوات»؛ الأمر الذي لا يتناسب لا مع حجم الصين ولا مع طموحاتها السياسية، ورغبتها في الحضور بقوة في المنظمات الدولية. واعتبرت مصادر دبلوماسية من داخل وخارج اليونيسكو أمس، أن هناك ثلاثة فرضيات تفسر ضعف المرشح كيان تانغ، أولها تعمد الصين انتهاج «تكتيك» من شأنه عدم إخافة ناخبي المجلس التنفيذي وتفضيل الصعود شيئا فشيئا. والثانية ضعف الدعم الذي تلقاه المرشح من حكومته التي بقيت بعيدة عن توفير الدعم الظاهر والجلي له، وثالثها ضعفه الشخصي كمرشح، رغم أنه يرتاد اليونيسكو منذ أكثر من عشرة أعوام.


يرجح اليوم أن المنافسة ستكون بين المرشحين الثلاثة الكبار (فرنسا ومصر وقطر). لكن واحدا من الأطراف الثلاثة سيخرج من السباق بعد الجولة الرابعة التي ستحصل غدا الخميس، إلا إذا حصلت مفاجأة غير متوقعة بظهور «فلتة شوط» تنجح قبل ذلك في تجميع الأصوات الثلاثين الضرورية، أي نصف أصوات المجلس التنفيذي مضافا إليها صوت واحد.
ويرى مندوب دولة عربية أن «الأمثولة» الأولى التي يمكن استخلاصها من النتيجتين الأوليين هي تراجع «التأثير» الأميركي على نتائج التصويت. ويربط المندوب المشار إليه ذلك بغياب التمويل الأميركي الضخم والأساسي عن المنظمة الدولية. ذلك أن إجمالي ما كان يتوجب على واشنطن تسديده لصالح اليونيسكو يبلغ 800 مليون دولار. وستكون إعادة واشنطن إلى الدورة المالية للمنظمة أحد التحديات الرئيسية للمدير العام الجديد الذي سيخرج اسمه من صندوق الاقتراع في أبعد تقدير مساء بعد غد الجمعة.