فاتح عبد السلام

قضية جوهرية تمس الأمن السكاني أو التوازن السكاني، مادام بات هذا العامل أساسياً في الترسيم السياسي للعراق اليوم، تلك هي قضية اعادة أهالي الموصل الى مدينتهم، بعد أكثر من ثلاث سنوات في النزوح في اقليم كردستان العراق الذي احتضنهم برغم امكاناته القليلة.

التعليمات الادارية ألزمت الموظفين بالمباشرة بدوائرهم في الموصل، وهي تقع في اغلبيتها الساحقة في الجانب الايسر من المدينة المحطمة.

لكن اعادة السكان ليست مسألة جزافية ، فقد تحمل الجانب الايسر اكثر من طاقته نتيجة لجوء سكان الجهة اليمني المبادة اليه، ولا تزال الاجراءات الحكومية في التعامل مع الموصل لا ترقى الى ادراك ان الموصل منكوبة بمعنى الكلمة، وان عدم اعلانها مدينة منكوبة في المحافل الدولية وتوجيه الانظار العالمية نحو قضية اعادة الحياة فيها، سوف يؤدي الى مشكلات داخلية في المجتمع قد تفضي الى اشكال أخرى من العنف. ألم تشخص الدراسات الحديثة ان البطالة كانت عوناً أكيداً للارهاب في توسيع قواعده وزيادة انتشاره. ألا يجعلنا ذلك الموت المجاني الكبير الذي غرقت به الموصل في معركة استعادتها من داعش وقبل ذلك، أن نفكر بالتداعيات الاجتماعية ومن ثم الامنية للهزة العنيفة التي تكاد تقلع جذوراً عميقة من المدينة المنكوبة؟ .

الموصل لا تحتاج الى تداول نفس العقلية الادارية في معالجة شؤونها بعد ستة شهور أو سنة من تحريرها (المأساوي) . انها ليست تتطلع الى محافظ من الحقبة الماضية أو نواب من خليط الانقسامات التي أودت بحياة الموصل، انها بحاجة الى عنوان للإحياء في كل بيت ودائرة ومرفق، وهذا لا تستطيع، وربما لا تفكر به اصلاً اية حكومة محلية او مركزية. وعلينا أن لاننسى، ان أخطبوطات الفساد لا تزال تمص دماء الناس وتستنزف حتى الحجر والتراب حين يقع في يديها في غفلة من الناس الموجوعين.