سمير عطا الله

انتهت مدة رخصة القيادة، فخطر لي أن من الحكمة عدم تجديدها. فذلك يتطلب معاملات وامتحانات وفحص نظر وطين بعد بلّة. واقترحت زوجتي أن راحة البال تقتضي استخدام سيارات الأجرة، و«خلي همك على غيرك».

وبدل أن أطلب الولاء من السائق، قررت أن الموالاة واجبي، فلم أعد أطلب من مكتب التاكسي سواه. ثم صرت أعطيه سيارتي يقودها لأنها أكثر راحة في حفر بيروت ومطباتها. وذات يوم قال إنه يسمع في السيارة صوت أزيز، ولا بد من فحصها. وبعد يومين قال لي إن الدواليب (العجلات) في حاجة إلى تغيير، فقلنا غيّرها. ثم تراءى له أن المكابح ضعفت، فقلنا غيّرها أيضاً. 

وفي نهاية الأسبوع صعدت إلى القرية فقال لي إن المنزل في حاجة إلى تنظيف، وفي الأسبوع التالي قام بالمهمة وقدم لي الفاتورة: 600 دولار، لمنزل من 230 متراً مربعاً.

حين أيقنت أن الرجل يريد أن يكون شريكاً، لا سائقاً، طلبنا سائقاً آخر مع قرار مسبق: لا تغيير دواليب ولا تصليح مكابح ولا تنظيف قصر يلدز. وبالفعل، جاءنا رجل مؤدب. 

وفي اليوم الأول، كان «ذهبي الصمت»، وفي اليوم التالي روى لي، طوال الطريق، أنه يعمل مقاولاً في الخليج لكنه اختلف مع شريكه هناك، فعاد إلى لبنان في انتظار البت القضائي في النزاع. أصغيت إلى قصة لا أعرف مكانها وزمانها ورجالها، وأعربت عن أملي بالفرج. 

وفي اليوم التالي أعاد رواية القصة، ثم قال إنه حمل معه من الخليج كل «عدة الشغل»، فإذا كان لدينا حمام في حاجة إلى تصليح، زجاج مكسور في حاجة إلى تغيير، بلاط مقلوع في حاجة إلى استبدال - أي شيء من هذا القبيل، هو حاضر.

شكرته بعمق. وقلت له إن المنزل، والحمد لله، في حالة جيدة، والمنزل الريفي خضع للتو لعملية تنظيف رهيبة تكلفت 600 دولار، أي نحو 3 دولارات للمتر المربع. فمن ناحية السكن نحن بخير، ساحلاً وجبلاً.

جاء اليوم الثالث، وجاء السائق - المقاول. تأخرت قليلاً في الخروج إليه، فلما وصلت رأيته منخرطاً في حوار مع ناطور البناية. هو يدل بيده على الزجاج، والناطور يرسم بيديه أشكالاً هندسية لم أعرف ما هي، ينحني ثم يقوم، ثم يفتح ذراعيه بمعنى القياس المتري.

وما إن صعدت في السيارة، حتى قال السائق المقاول إنه فهم من ناطور البناية أن زجاج الشرفات فيها مبني خطأ وفي حاجة إلى دعامات، وفي إمكانه تصليحها «بالعدة التي معه». وقد تقدمت أمس بطلب لتجديد رخصة القيادة، بجميع شروطها.