صفوق الشمري 

أعتقد أنه آن الأوان لدول الخليج أن تقف موقفا قويا وحازما من سياسات بعض الأوروبيين، خصوصا موقفهم المشين في أزمة قطر، وحرب اليمن، ومناصرة إيران بشكل فاضح

عندما أعلن الرئيس الأميركي ترمب عدم مصادقته على التزام إيران بالاتفاق النووي، أكثر من جُن جنونهم من الأوروبيين، الممثلة العليا للسياسة الخارجية فيدريكا موجيرني، والسياسيون الألمان، وعلى رأسهم وزير الخارجية سيجمار جابرييل، وكلاهما له أسبابه الخاصة والعامة، كي ينبري للدفاع عن إيران، كأنه متحدث باسمها. 

لفهم أي موضوع سياسي، عليك تبسيطه إلى أصوله. لذلك الاتفاق النووي الإيراني ما هدفه؟ 
الهدف الأعلى أو الأسمى، هو المحافظة على السلام والاستقرار في المنطقة، أما الهدف المباشر هو منع إيران من الحصول على السلاح النووي، لأن إيران نظام عدواني عنصري، وسيحاول ابتزاز العالم. 

ما فائدة التزام إيران بنصوص الاتفاق إذا كانت تدمر الهدف الأعلى من الاتفاق، وتحاول زعزعة أمن المنطقة وتدميرها بالأساليب الأخرى؟ وكأن الاتفاق فقد كل قيمة له! 

وكمثال مبسط، لو أن الشرطة أخذت على أحدهم تعهدا بعدم كسر باب جاره والتعدي عليه، لكنه قام برمي الحرائق على منزل جاره! وهو يقول أن التعهد ينص على عدم كسر الباب، وهو لم يفعل ذلك، هل يعدّ ملتزما بالتعهد؟ طبعا لا، لأن الهدف الأعلى من التعهد هو الحماية للجار، وليس تحديدا فعل «كسر الباب»، وهذا هو أسلوب إيران.

لكن، قد يقول البعض: ما السر في حماس بعض الأوروبيين للدفاع عن الاتفاق النووي مع إيران؟ هل أوروبا لا تعلم ما تفعله إيران بالمنطقة من جرائم؟ طبعا لا، فهم يعرفون جيدا كل أفعالها وجرائمها. لكن هناك شقين: أحدهما ظاهر، والآخر خفي. 

الشق الظاهر، وهو المصالح الاقتصادية والرغبات التجارية مع إيران، وأيضا من باب أن الأوروبيين شاركوا مع إدارة الضعيف أوباما في صياغة الاتفاق، فيعتبر كأنه محسوب عليهم. أما الشق الخفي، فإن بعض الأوروبيين -عن جهل- يحاول لعب سياسة المحاور في المنطقة بتقوية إيران، كي تنافس السعودية. 

عندما وقّعت المملكة صفقات التسلح مع روسيا، أكثر من فزع -ولكن لا يستطيع البوح- هم بعض الأوروبيين، كما هو معروف، فإن سياسة التسليح السعودية تعتمد على أكثر من مصدر، حتى لا تقع رهينة لمصدر واحد من الممكن أن يستغلها في الأزمات، لذلك الطائرات والبحرية والجيش أسلحتها غالبا من مصدرين أميركا وأوروبا، لكن بعد أن دخلت روسيا على الخط، فإن الأوروبيين في موقف صعب، خصوصا أن الأسلحة التي تم توقيعها من روسيا لها أهمية ورمزية. 

فالحصول على إس-400 يعطي دلالة على عمق الإرادة السياسية للشراكة، لأنه سلاح متطور وليس من السهل الحصول عليه، أما إنشاء مصنع للرشاش ك 103 فيعطي دلالة على أن المملكة لا تهتم بالحركة الغبية للسياسيين الألمان، بإيقاف تصدير رشاش جي36، وأيضا تصنيع صواريخ الكورنيت المضادة للدروع من روسيا يغني وبقوة عن مشروع سموم الذي أوقفه الأوروبيون والسويديون، فلذلك الابتزاز الأوربي بتعطيل صفقات السلاح، ولّى زمنه.

في ألمانيا، يوجد وزير خارجية مريض منذ سنوات –شافاه الله- بكرهه للسعودية، لا توجد مناسبة حتى لو داخلية إلا ويهاجم السعودية، وموقفه المخزي من الأزمة القطرية لا يحتاج شرحا، وأيضا موقفه المخزي بتعطيل صفقة دبابات الليوبارد السعودية، وفي الوقت نفسه بكل سهولة يصدّرها لقطر، حتى الشركات الألمانية كانت تستغرب من موقفه الشخصي المتشنج من السعودية، وسمعتُها في أكثر من مناسبة من الألمان أنفسهم. وكذلك ألمانيا تعرقل تعديل الميزان التجاري بينها وبين السعودية بعرقلة شراء المنتجات السعودية.

أما السيدة الإيطالية موجيريني مسؤولة الاتحاد الأوروبي، فلا ننسى أن إيطاليا كانت الشريك الأول الأوروبي لإيران، وبينهما مصالح تجارية مليارية عدة.

عندما يقول مسؤول أوروبي: إنه يهتم لحقوق الإنسان في المنطقة، فهو كذوب كذوب وكذوب!، فهؤلاء هم أنفسهم يهرولون للدفاع عن إيران، رغم علمهم أنها السبب في مقتل أكثر من 400 ألف سوري في أكبر جرائم إبادة في العصر الحديث. هم لا يحركون ساكنا في موضوع إبادة الروهينجا، لأنه لا توجد لهم مصالح. 
الأوروبيون صراحة، أُعطُوا أكبر من حجمهم وتأثيرهم الدولي. 

قبل أشهر، كنا في جلسة مع خبراء عسكريين أميركان وأوروبيين، واتفقنا على أن أوروبا حاليا عبارة عن جمهوريات موزٍ، إذا استثنينا بعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا -التي أحسنت بالانفصال- وألمانيا والسويد. 

فروسيا قادرة على اجتياحهم خلال ساعات، لولا المظلة الأميركية، ولا ألوم الرئيس ترمب عندما ألمح إلى أن الأوروبيين مجرد ركّاب بالمجان، فميزانيات الدفاع منخفضة إلى حد مضحك. وحاليا لا يوجد إبداع أو اكتشاف ملموس في أوروبا، فالأفكار الإبداعية بدأت تظهر شرقا وفي أميركا، أما الأوروبيون يعانون من عقم إبداعي.

للأسف، يوجد لدى بعض الأوروبيين فهم خاطئ عن الخليج، وهو أن الخليجيين يستسلمون للابتزاز، وهذا ما سبب تأخير اتفاق التجارة الحرة الخليجي الأوروبي لعقود، والشيء الآخر، أن الأوروبيين يستغلون أن الخليجيين لا يربطون بين المواقف السياسية والتجارة، لذلك الشركات الأوروبية منتعشة في الخليج، رغم مواقف دولها، بينما إيران تشبك الملفات بقوة، فأي تصريح أوروبي يعني خسارة عقد إيراني وابتزاز.

أعتقد أنه آن الأوان لدول الخليج أن تقف موقفا قويا وحازما من بعض سياسات بعض الأوروبيين، خصوصا موقفهم المشين في أزمة قطر، وحرب اليمن، ومناصرة إيران بشكل فاضح، فالقوة الاقتصادية الخليجية أقوى بمراحل من اقتصاد الحرس الثوري الإرهابي الإيراني.