محمد الرميحي

 في هذه المرحلة والمنعطف التاريخي المهم في تاريخ الخليج العربي، من الأوفق أن يكون لدينا مشروع خليجي واحد، قد يُختلف على تفاصيله الجانبية، وقد نتحاور حول بعض أولوياته، ولكن نحرص على أن يكون هذا الحوار داخلياً في إطار المشروع الواحد، لأنه ببساطة يواجه مشروعاً آخر هو المشروع الإيراني، الذي لا يدخر وسعاً في السنوات الأخيرة في التمدد في أحشاء الأمة العربية، ويتطلع إلى الصيد الثمين وهو إقليم الخليج، بما فيه من خيرات وموقع استراتيجي وقبلة دينية، هذا المشروع التوسعي لا يملك فائض قوة (مادية أو معنوية) تبرر تمدده، هو تصدير لأزمة داخلية عميقة، وأدواته هي استغلال السذاجة أو الشراهة لدى بعض العرب تحت غطاء مذهبي، المشروع استفز المنطقة حتى لم يعد هناك مساحة للتسامح معه، فقد تمدد في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولكن ظلت دائماً عينه على الخليج، لأنه الجائزة الكبرى بالنسبة له، ويرى هذا المشروع الإيراني التوسعي أن الصيد الأكبر في عرقلة المملكة العربية السعودية أو إشغالها عن محيطها الجغرافي، أو إغراء مكون أو آخر في هذا المحيط بالالتحاق به ولو سياسياً لاستخدامه كعب أخيل للنفاذ إلى الداخل الخليجي. وقتها تسهل السيطرة الكاملة على بقية مكونات الخليج التي سوف تسقط كأوراق الخريف، ولا استثناء لأحد. دون النظر إلى ذلك الهدف الاستراتيجي الخطر والاستعداد لمواجهته، فإن حسن النية أو تقديم التناقض الفرعي على التناقض الكلي، هو عمى سياسي سوف يسقط الجميع في حفرة الهيمنة الإيرانية غير الخفية، وهي هيمنة استعمارية ترفضها الطبيعة العربية وتأنف منها.

المملكة العربية السعودية بقيادتها الحالية واعية لذلك المشروع المدمر، ولم تعد مرتكنة لا على حسن النيات ولا على احتمال الصدمات الجانبية، لعل البعض يعود إلى رشده وينظر في النتائج الكارثية التي يقود إليها فعله المتهور. لقد ظهر في الأشهر الأخيرة عزم المملكة على التصدي لهذا المشروع، ولم يعد ممكناً لا التسامح معه أو التصالح. لقد ذهبت كل مشروعات التوفيق والتصالح إلى عرض الحائط، كما نفد الصبر، وأي تأخير في مواجهة هذا المشروع التوسعي، هو من قبيل الركون إلى مطالبه أو تجنبها بالتمائم! مشروع عاصفة الحزم ومن ثم عودة الأمل هو مشروع صحيح، وأي مشكك فيه يساعد على تثبيط الهمم، حيث في غيابه يمكن أن تقضم إيران مساحات شاسعة من أرض الخليج انطلاقا من ذراعيها، «الحوثي» في اليمن، أو «حزب الله» في لبنان، الوقوف أمام وجه «الحوثي» كما الوقوف أمام «حزب الله» في لبنان بمساندة اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً ليس فقط باختطاف وطنهم ولكن بإخضاعه إلى طهران! يساعد على تقليص التمدد الإيراني تمهيداً لتحجيمه، لذلك فإن استقالة سعد الحريري ضربة معلم في وجه ذلك المشروع الإيراني، الذي أربكته الاستقالة، ولم يجد السيد حسن نصر الله المتحدث باسم طهران في لبنان إلا القول إن الاستقالة أمليت على الحريري في الرياض!

كلام يقال في الخليج إنه (مأخوذ خيره) أي أنه منتزع الصدقية وعار عن المنطق ومغمور بالتضليل. الوقوف أمام مشروعي طهران في الشمال العربي وفي الجنوب، هو ما يجب أن يُعضد ويطور من الجميع لأنه يهدد استقلال وسيادة الجميع، وليست القيادة السياسية السعودية ببعيدة عن ذلك الفهم وليس أمام حلفائها في الخليج والمنطقة العربية إلا تأمين مسعاها المقاوم وتعضيده من أجل وقف هذا المشروع وإضعافه. صاحبَ ذلك التصدي مشروعٌ حقيقي للإصلاح في المملكة يساير العصر ويبني قاعدة شعبية واجتماعية مساندة له، ليس فقط للتصدي للمشروع الإيراني ولكن أيضاً لبناء مصدة محلية لأي اختراق. لقد تبين الآن أن إيران تحارب بفيالق عربية، تلك الفيالق مؤدلجة بأفكار أو مشتراة بالمال، ومدعومة تقنياً بآلة شريرة تنشر الموت، هي خلطة من خرافات من جهة، وشعارات ضبابية من جهة أخرى (الموت لأميركا وإسرائيل). وعندما تشاهد أطفال اليمن الصغار في مدارس الحوثيين من خلال محطتهم التلفزيونية، وهم بملابس عسكرية ويهتفون كما يهتف المغرر بهم في الضاحية الجنوبية في بيروت، أو المغلوب على أمرهم في طهران (الموت لأميركا الموت لإسرائيل) تتساءل هل يعرف هؤلاء الأغرار الصغار أين تقع أميركا، أو معنى لتلك الشعارات؟ في الغالب هي لا تؤكّل خبزاً ولا تأتي بأمان، وهما الأمران اللذان يحتاج إليهما الشعب اليمني قبل أي شيء آخر. فيالق إيران العربية لا تقتصر على «حزب الله» أو «فيلق القدس»، هناك فيالق عربية تعمل لصالح المشروع الإيراني على وسائل التواصل الاجتماعي العربية، وجدير بنا أن نعرفها لنتقي شرها، إنها فيالق تبث، اعتماداً على أن الآخرين سذج يمكن التغرير بهم، وتتبنى مقولات ماكينة إيران الإعلامية العربية نفسها، فمثلاً بمجرد ما أكد السيد حسن نصر الله، عندما فوجئ بقلب الطاولة واستقالة سعد الحريري قوله، إنه أجبر على الاستقالة وإنه قيد الإقامة الجبرية، سرعان ما تبنت تلك الفيالق تلك الأكذوبة لتروّج لها على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المحطات التلفزيونية وفي المنتديات الاجتماعية، وبالمثل ما إن أعلن عن الخطوات الإصلاحية ومحاربة الفساد في المملكة العربية السعودية، حتى انطلقت تلك الفيالق الإعلامية تضع ما يحلو لها من تفسيرات مشككة وراء تلك الخطوات الإصلاحية، كلها بعيدة عن الإصلاح! وقريبة إلى المؤامرة! وهكذا في كل خطوة تتخذ في إطار مكافحة المشروع الإيراني، وتصليب الجبهة الداخلة والولوج إلى الحداثة، تجد أن تلك الفيالق تمتشق الأكاذيب لترويجها بين العامة اعتماداً على مفهوم قديم (اكذب اكذب فسوف يصدقك البعض).. البعض يذهب إلى تصديق تلكم الأكاذيب بحسن نية، بل ويساهم في ترويجها بالنية نفسها، ولكن من يقوم بإطلاقها وتصميم مفرداتها يعرف الهدف المراد منها، وهو خلق بلبلة وعدم يقين في الخطوات المتخذة، داخلية أو خارجية لدى العامة. 

ومن الجديد في هذا الملف اعتماد تكتيك أن ما يكتبه الغربيون صادق ودقيق، فيتم الترويج له إن صادف هواهم، فنجد أن فيالق الإعلام الإيرانية - العربية تروّج إلى مقال هنا أو رأي هناك نشر في صحيفة أجنبية أو تحدث بها إعلامي أو سياسي غربي، تأكيداً لمقولاتهم، وقد عرف الجميع أن صدقية بعض الكتاب الغربيين ليست كامرأة قيصر! فهي إما موتورة أو ناقصة في المعلومة أو مدسوسة، فكثير مما ينسبه هؤلاء (المتخصصون) لا يعدو أن يكون مصفوفة من الإشاعات والتخرصات. بقيت شريحة أخرى وجب الانتباه لما تبث وتروّج له من سلبيات، وتلك الشريحة عربية، وإن كانت أقلية، نسمعها على محطات التلفاز والإذاعات أو المجلات الإلكترونية، التي ترى في أهل الخليج (بدواً وصحراء وتخلفاً مع غنى غير مستحق!) ومن هذا الجانب النفسي السلبي تأتي تحليلاتهم مع رغبة دفينة في الثأر أكثر من كونها تحليلاً يخاطب العقل، تلك الجماعة تلتحق بالفيلق العربي (الموارين)، فنجد على سبيل المثال أحدهم يقول لك: «لولا (حزب الله) لوصل التكفيريون إلى قلب بيروت» كلام في ظاهره للسذج الرحمة، ولكن في باطنه استخفاف بالعقل، فهل التكفيريون إلا شكل آخر من «حزب الله»! وقد كان الحزب موجوداً ويتصرف بالنفَس نفسه والأريحية قبل عشرات السنوات من ظهور التكفيريين، ولكنه لي الحقائق والاستخفاف بعقول الآخرين! هكذا فنحن أمام المشروع الإيراني الصلب (سلاحاً وعتاداً) يواكبه مشروع (ناعم) يأخذ من وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الموتورين العرب العاملين في الإعلام، خاصة الدولي طريقاً لترويج الأكاذيب سعياً وراء تضليل الرأي العام العربي بطرائق ووسائل شتى!

آخر الكلام:
تصل الأكاذيب التي يطلقها الحزب الإعلامي العربي (الموارين) إلى حد البذاءات، وهو دليل على الإفلاس الكلي لقواعد المنطق في المشروع التوسعي!