خالد صالح الفاضلي

من أجل أن تعود فيروز للغناء، مطابع بيروت للعزف، وتنشر مقاهي شارع الحمراء مقاعدها الخشبية، معاطف الفرو، الكعب العالي، وزوايا التنوير الفكري على الأرصفة، بمكتباتها، دور نشرها، ومصابيح الترجمة، ومن أجل أن تعود بيروت إلى مهمتها الوحيدة في الكون (تصنيع الإبداع، الجمال، الفن) ويكون لسبعينات بيروت امتدادها الطبيعي، استعادة ثلاثة ملايين لبناني من خيام اللجوء الناعم، وسجون الغربة.

من أجل أن يزرع أهل القطيف أراضيهم، يبيعوا ثمارهم في أسواق بلادهم دون توجس، من أجل خلاصهم من أوهام ومشاعر غربة صنعوها لأنفسهم، وتثقل كواهلهم.

من أجل أن يتخلص أطفال القطيف من ثقافة الفرقة والأحقاد، واحتمالية تحول الكلمات إلى رصاص يقوم بمهمة قتل رجال أمن وطنهم، ومن أجل أن ينجو من جاذبية (ثقب أسود ثقافي) يبتلع هويته، تاريخه، ويحوله إلى مسخ ثقافي، ليس له جذر أو فرع.

من أجل أن تسترد السعودية مواطنين وقعوا ضحية لإيران، وبايعوا (الإخوانية الشيعية)، كتكرار لكارثية الإخوانية السنية في كسب ولاء وبيعة مواطنين سعوديين، فكلتيهما (بيعة إخوانية) تأخذ من المواطن ولاءه، وماله، ودمه، ولا تعطيه إلا أوسمة وهمية (صكوك غفران/ مفاتيح جنة / حور عين)، ويأخذ قياداتها أماكنهم في جنات لندن، باريس، والأرصدة البنكية المتخمة.

من أجل أن يعود الفلاح في العراق، سورية، ولبنان إلى معوله، أرضه وحرثه، أخبار الطقس، تباشير مواسم الزرع والحصاد، من أجل أن يعود إلى لهجته، إلى سماء وأرض لم ينم جيداً بعدما غادرهما بسبب طهران، من أجل أن يمسح عن مزرعته وأرض قريته آثار المجنزرات والعربات العسكرية، من أجل أن يغسل عن أطراف الجبل دماء مرتزقة الحروب، وبقايا البارود.

من أجل أن تتدفأ مدارس سورية، العراق، ولبنان بأنفاس الأطفال التلاميذ، تجد الضحكات وطنها في حناجر الصغار، وتجد دموعهم أسبابها الصغيرة العتيقة، البكاء لأسباب سخيفة فقط، سيفرحون لاحقاً بكل دمع ليس سببه دما، سيفرحون بكل نص مكتوب ليس فيه نعي.

لماذا حتمية سقوط طهران عسكرياً ؟ من أجل أن تمتلئ صدور عجائز العراق والشام بيقين تنفيذ وصاياهم بأن تتجاور قبورهم مع قبور أحبابهم في مقابر ديارهم، يتألم الكبار سناً عندما يوقنون بأن فرصة دفنهم في مقابر أهلهم تصبح ضئيلة، يتمسكون بالحياة في الغربة ليس حباً، بل رفضاً للموت والدفن في المهجر.

من أجل اللغة، من أجل الحضارة، الفن، الزراعة، الصناعة، الغناء، الرسم، التكنولوجيا، الترجمة، التأليف، الموسيقى، ومن أجل «بكرة، وبعد بكرة»، من أجل طهارة الجبل والنهر، من أجل حركة التاريخ وثبات الجغرافيا، يجب أن تسقط طهران المسجونة في جمجمة الطائفية والايديولوجية، ويتحرر الشعب الإيراني ويغتسل من أسوأ مراحل تاريخه الحديث.

أعلاه، ليس نداء حرب، بل دعوة لحرية شعوب العرب، وشعب إيران، وشعوب آسيا، من «الإخوانية الإيرانية».