فايز بن عبدالله الشهري

تظهر معظم الشواهد وحجم التطور الكمي للتراث الفكري الداعم للتشدد والتشتيت الفكري أن تكتيكات وإستراتيجيات تنظيمات العنف والتطرف تتميز بقدر عالٍ من الطواعية والتطويع وحتى المخاتلة. ومن هنا نجد أن هذه التنظيمات ورموزها في مرحلة تسخين "تعبئة" المجال الاجتماعي يلجؤون عادة إلى البدء بتوظف العديد من الوسائل والرسائل لتأزيم نفسيات الشباب وشحن عقولهم نحو عدم الثقة في رموز مجتمعاتهم ونظامها الديني والسياسي. وقد تمكنت هذه التنظيمات من خلال العمل السري والمراوغة مع السلطات في أكثر من بلد عربي من تطوير قوالب فكرية تتجه بوصلتها كلّها حيثما لاحت الفرصة مع القدرة على تبديل الرموز بحسب مقتضى الحال لكل مرحلة. ومن هنا نجد أنهم في مرحلة يركزون على المفاصلة العقدية بتفسيرها الصارم (مثال القاعدة) وفي مرحلة يتم توظيف الجانب العدمي الفنائي ضمن ضرورات الحل الدراماتيكي النهائي (داعش). أمّا في مراحل الانكسارات فإن هذه التنظيمات تجيد رفع رقاع الدعوة للحوار والتحالفات حتى يأتي التمكين المنتظر كما هو حال عناصر جماعة الإخوان المسلمين. وقد رأينا خلال العقدين الأخيرين كيف ركز الخطاب الفكري للمتطرفين في بلدان الخليج على قضايا مثل موالاة الكفار وعدم تحكيم الشريعة ونصرة المسلمين في حين التزم شركاؤهم في المنهج والغاية في دول عربية أخرى على خطاب الإحباط من الأوضاع الاقتصادية والفساد والعري والحريات ونحو ذلك.

وفي كل هذه السجالات كانت الإنترنت حلبة للكرّ والفرّ تتطوّر معها الاستخدامات المتطرفة شكلاً ومضموناً لينتهي المطاف إلى فضاء الشبكات الاجتماعية وتوسع دائرة التجنيد والوصول إلى شرائح جديدة. ومن التأمل والتحليل للدورة الفكرية للخطاب المتطرف إلكترونياً يمكن توصيف سلسلة من خمس حلقات للتجنيد الفكري تبدأ أولاً: بالتعرض المعرفي المكثف (التأثير العاطفي) لمواقع وحسابات المكلفين بالدعاية الفكرية للتنظيمات المتطرفة. هنا يتم تعريض الضحية لدفعات منتظمة من الرسائل المركزة التي تنقض كل المسلمات الفكرية السائدة عنده. وتتسم هذه الرسائل عادة بالقصر والتشويق والتتابع فتحدث التشويش والارتباك الفكري ومن ثم الجاهزية لتقبل ما بعدها.

ثانياً: مرحلة الصدمة الشرعية لبناء المكون الفكري (الانفعالي) باستثمار تراكم المعلومات الجديدة في ذهن المستهدف وهزّ قناعاته بالتركيز على الوعيد والتحذير من مغبة تجاهل نصرة الحق بعد أن "هداه" الله. هنا يتركز الضخ الفكري على مفاهيم الغاية من الحياة وما ينتظر "المجاهد" في سبيله وذكر الجنة وما فيها من مُتع مع التخويف من سوء الخاتمة. وفي الحلقة الثالثة يتم التركيز على رعاية الاتجاه الجديد لدى الشاب المستهدف بحثّه على العزلة وتشجيعه على إثارة الأسئلة وغالباً ما يلاحظ القريبون منه هدوءه وكثرة انعزاله والانفعالات السريعة تجاههم. في الحلقة الرابعة يبدأ تعزيز هذا الاتجاه بالتركيز على دائرة الصحبة والرفاق والموقع والكتاب المناسب ثم منحه اللقب والكنية لسلخه من ماضيه. هنا يصل الضحية إلى الدائرة الخامسة ولم يعد أمامه إلاّ "الطريق الوحيد" وهو الهجرة واللحاق بطلائع الأمة وعدم "القعود" مع الجهلة العوام والمنافقين والكفار ومن بين هؤلاء أمه وأبيه وصاحبته وبنيه.

قال ومضى:

لا تطير البالونة حتى تنتفخ بالهواء الفاسد... ثم تنفجر.