عبدالله بن بخيت

خلال الخمسين سنة القادمة ستصبح الشعوب الإسلامية على قدر واسع من التقدم. ربما تنضم للشعوب التي تساهم في تقدم الإنسانية ورفاهها. الأمر ليس نبؤة ولكنها الإرهاصات. ثمة قائمة من الدعاة ورجال الدين والجهاديين ستبقى أسماؤهم خالدة ما خلدت طموحات المسلمين في السلام والتقدم وسلطة العقل (هبة الله الكبرى). قد يبدو المشهد اليوم محزنا وغارقا في الظلام والدمار وغياب الأمل ولكن الوجه الآخر من المشهد مشرق بل أكثر إشراقا من أي زمن مر.

الأسطورة تواجه التحديات. عنوان من أهم عناوين المرحلة.

ترامت التعليقات الساخرة على قصة الشيخ التي أكد فيها أن شرطة بشار الأسد اقتحمت منزل أحد المجاهدين تريد أن تعرف من هم الخيالة ذوي الملابس البيضاء الذين حاربوا معه. كانت هذه القصة وقصص كثيرة جزءا من الحقائق الصلبة في زمن الجهاد الأفغاني. صاغت حياة الأولاد وطريقة تفكيرهم وملأت قلوبهم فخرا. اقترب مؤلفوها في ذلك الزمن من مرحلة التقديس. عندما قرر الشيخ الجديد نقلها إلى عصرنا وإعادة تدويرها على أحداث جديدة لم يجابه بالنقد ولا حتى بالرفض بل بالسخرية. المسافة بين تمجيد مؤلف كرامات الجهاد الأفغاني والسخرية من مؤلف كرامات الجهاد السوري تؤكد أن سلطة الأسطورة تتلاشى. ما كان ليكون هذا لولا أن السؤال المحبوس عصورا أفلت من أساره.

أمضت المجتمعات الإسلامية قرونا تعيش في طبقتين. السلاطين والعلماء من جهة والدهماء من جهة أخرى. كان الأمر مقبولا في الماضي عندما كان الدهماء فلاحون فقراء بائسون وأصحاب حرف بالكاد يحصلون على قوت يومهم وطبقة سفلى عريضة من الشحاذين والعميان وأصحاب العاهات والعبيد. لن يشبع بؤس هؤلاء سوى الأسطورة. عندما تقرأ كثيرا من الكتب القديمة لأسماء كبيرة ستجد أن الأسطورة والعقل يتآخيان بشكل مريع.

تتشكل طبقة (الدهماء) اليوم من علماء فيزياء وكيمياء وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعات ومديري بنوك وضباط وكتاب وصحفيين. رجال ونساء وصلوا إلى وظائفهم بعقولهم فصار للعقل استحقاقاته النقدية. يعلمون أن من يقاتل في سوريا ويريد أن ينتصر هو الإنسان المدرب على القتال وعلى كتفه سلاح متطور وطائرات في السماء تسانده وتحميه. يعرفون تمام المعرفة أنه لن يأتي أحد من خارج هذا الكون لمساندة أحد ضد أحد.

ما أنجزه أبو بكر البغدادي بمساندة دعاتنا الأفاضل في سنوات قليلات لا يمكن أن تنجزه الأمم في مئة سنة. حطم البغدادي التصالح والتواطؤ بين (دهماء) العصر الحديث والدعاة. استنفد العقل قدرته على التسامح والتنازل. صارت الأجوبة الجاهزة الحاسمة المعلبة في الكتب القديمة تواجه الأسئلة. اندلعت حرب التناقض بين الأسطورة والعقل كما جرى في أوروبا.. والله المستعان.