محمد العسومي

 من المتوقع أن تُطبق أربع من الدول الخليجية- بعد شهر تقريباً- ضريبة القيمة المضافة المتفق عليها، وذلك بعدما أقر مجلس الشورى العُماني نهاية الأسبوع قانون القيمة المضافة، في حين لا زال مشروع هذا القانون يدور في أروقة مجلس الأمة الكويتي دون قرار واضح. أما قطر، فقد أعلنت أنها لن تأخذ بالاتفاقية رغم توقيعها عليها في نطاق مجلس التعاون الخليجي.

والموقف القطري هنا لا يختلف عن بقية المواقف التي اتخذتها قطر في السابق، والتي أدت إلى تعطيل تنفيذ بعض القرارات الخليجية المشتركة، إلا أنه في هذه المرة لا تحمل اتفاقية القيمة المضافة والضريبة الانتقائية أية صفة جماعية، فالتطبيق يتعلق أساساً بالإصلاحات المالية والضريبية التي تخص كل دولة، وذلك على الرغم من أنها اتخذت بصورة جماعية بهدف تناسق الأسواق والأوضاع المالية في دول المجلس.

وتتضمن ضريبة القيمة المضافة أبعاداً اقتصادية ومالية مهمة للغاية سيتمخض عنها استقرار أكبر للأوضاع المالية في دول المجلس، بما في ذلك استقرار الموازنات السنوية وتدعيم الأوضاع الاقتصادية، حيث أثبتت التجارب الأوروبية أهميتها كأداة مالية فاعلة، فمن دونها يمكن للاقتصادات الغربية أن تنهار، وذلك على الرغم من أنها اقتصادات متطورة ومتنوعة.

مشكلة قطر التي أعلنت أنها لن تطبق ضريبة القيمة المضافة، يأتي من باب الاستنتاج الخاطئ، أولاً من باب العناد الطفولي، وثانياً، فإنها تحاول استغلال مشاعر الناس العفوية قائلة إنها لا تريد تحميل المستهلك أعباء إضافية - علماً بأنها وافقت على الاتفاقية سابقاً – إلا أن الأمر ليس له علاقة بالأعباء الإضافية، على اعتبار أن نسبة الضريبة متدنية نسبياً، وتبلغ 5% مقارنة بـ15-20% في البلدان الأوروبية، وإنما لهذه الضريبة آفاق تتعلق بتهيئة الأوضاع المالية لفترة ما بعد النفط وبناء قاعدة مالية قوية لاقتصادات مستقبلية أكثر استقراراً وأقل اعتماداً على الموارد النفطية.

«تنظيم الحمدين» لا يعنيه ذلك، إذ إن اهتمامه موجّه الآن لتخريب تطبيق هذا القانون الخاص بضريبة القيمة المضافة، إلا أن عدم تطبيق قطر لهذه الضريبة لن يكون له أية تأثيرات على الدول الأربع التي أقرتها (الإمارات والسعودية والبحرين وعُمان)، بل على العكس ستزداد الفوارق بين الأنظمة المالية لتلك الدول، وقطر التي ستتأخر في مجال الإصلاحات المالية لترى نفسها بعد فترة أمام تخلف أنظمتها المالية والضريبية مقارنة بالدول الخليجية الأخرى.

لذلك فالعناد هنا - كما هو العناد في المسائل الأخرى - لا ينم عن فهم صحيح لأهمية بعض الإجراءات والقوانين، فهناك فرق بين أن تختلف مع أطراف أخرى، وبين أن تقوم باتخاذ إجراءات ومواقف ضد مصالحك ومستقبلك الاقتصادي، فقط من أجل إغاظة الآخرين أو التحريض ضدهم، أو محاولة تخريب مشاريعهم دون جدوى، فضريبة القيمة المضافة، هي مصلحة وطنية بأبعاد مستقبلية بالدرجة الأولى، أما ضريبة السلع المنتقاة، فترمي إلى حماية الصحة العامة وتقليل الأضرار الصحية، وبالأخص على الأجيال الشابة في دول الخليج العربي.

وبشكل عام، فان إقرار الضريبة المضافة بصورة نهائية وصدورها بقانون في معظم دول المجلس يشير إلى إمكانية التطبيق الاختياري وفق أسس مستجدة أشار إلى بعضها عبدالله بشارة الأمين العام السابق لدول المجلس في «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» الأسبوع الماضي، لذلك، فإن الدول الأربع التي أقرت ضريبة القيمة المضافة والضريبة المنتقاة، ستمضي قدماً لتنقل اقتصاداتها وأنظمتها المالية إلى آفاق أكثر تطوراً وتحديثاً واستقراراً، غير عابئة بمن يظل يراوح مكانه في عالم يتطور ويتغير بسرعة هائلة.