البراء طيبة

هل نستطيع أن نمكّن 37 ألف قائد وقائدة مدرسة لإدارة شؤون مدارسهم ومنحهم الصلاحيات لإدارة الشؤون اليومية للتعليم؟ هل يمكننا منحهم الثقة بذلك؟

في عام 1890، بدأ ماهاديو حافيزي تجارة توصيل حقائب وجبة الغذاء في بومباي، الهند. وبدأ بنفسه، وتدريجيا توسعت شركة داباولا -وتعني توصيل حقيبة الغذاء- لتقوم بتوصيل 200 ألف وجبة غذاء كل يوم، ذهابا وإيابا 
أي 400,000 عملية توصيل في اليوم. مقارنة بشركات توصيل البضائع العالمية، هذا الرقم لا يعدّ كبيرا. شركة فيديكس تقوم بتوصيل 14 مليون شحنة يوميا مثلا. 
تميُز شركة داباولا يكمن في طاقمها الإداري وأنظمتها. ولكن قبل ذلك، كيف تعمل الشركة؟ توجد ثلاثة أنواع من الفرق الميدانية في داباولا. 
فريق يقوم باستلام حقيبة الغذاء من المنزل، وهم مقسمون إلى مجموعات بحسب المنطقة الجغرافية، وكل فريق 
لا يزيد أفراده على 10 أشخاص، وكل موظف يوصل 12 حقيبة أو أقل في الرحلة الواحدة، ويتم تسجيل العملاء من خلالهم شهريا. 
يقوم هذا الفريق بإيصال الشحنة إلى منطقة توزيع مركزية، وتكون بإدارة أكثر أعضاء الشركة خبرة. ويتم تقسيم الشحنات بحسب المواقع الجغرافية لجهة التوصيل. 
ثم يأتي الفريق الآخر، ويجمع هذه الصناديق ويقوم بإيصالها إلى أصحابها في مكاتبهم. وأخيرا، تتكرر هذه الخطوات إيابا لإعادة الصندوق إلى المنزل. 400 ألف عملية توصيل يومية. 
داباولا شركة ربحية، ويزداد عملاؤهم تدريجيا، ويخرج إلى السوق منافسون لهم ولكن يخرجون بعد فترة. والمميز في داباولا هو رغم وجود أكثر من 4000 موظف، إلا أنهم دون طاقم إداري. فلا يوجد فريق للموارد البشرية، أو المشتريات، أو المالية، ولا توجد لديهم خطة إستراتيجية، أو حتى شعار أو موقع إلكتروني. 
المميز أن موظفيها يعملون وفق نظام عادل متكامل، يهدف إلى توصيل حقائب الغذاء، ومرتبط بقوانين ومؤسساتية لا تجعل مجالا للأفراد تجاوزه. 
فمثلا، كل مجموعة تقوم بتقسيم الدخل بالتساوي بينهم، وإن أرادوا التوظيف لوجود أكثر من 12 صندوق للشخص، فلهم قرار التوظيف، مما يجعل المسؤولية عالية عليهم لأنهم سيعملون يوميا مع من يوظفونه. وإن زاد الفريق على 10، يتقدمهم الأقدم بينهم لتأسيس فريق جديد وتوزيع المناطق الجغرافية الأخرى. وإن حصل بينهم خلاف، يحكم بينهم الأقدم، ثم الأقدم، وهذا النظام يعمل منذ أكثر من قرن! 
المركزية لا وجود لها في داباولا. الكل شريك، الكل رابح، والكل يعمل من أجل هدف واحد. 
عندما ننظر إلى هذه الخصائص الثلاث: هدف واحد، شراكة كاملة، والكل رابح. نستطيع وبسهولة عكسها على التعليم. هدفنا الطالب، وكلنا شركاء، وإذا نجحنا في التعليم فالوطن رابح. لا أضع حلولا ولا مقترحات هنا، إنما أطرح فكرا قد يعكس طريقة إدارة مختلفة. إن استطاعت شركة بموارد ضئيلة جدا استدامة أعمالها ونموها لأكثر من قرن دون وجود مسؤول للجهة، هل يمكن لنا تحقيق ذلك؟ 
يقول فريدريك لالوكس في كتابه إعادة اختراع المنظمات «عندما تمتد الثقة للموظفين، تضع مسؤولية عليهم في المقابل. التنافسية بين الموظفين تحقق تنظيمات مؤسساتية أفضل مما تستطيع الهياكل الإدارية تحقيقه». 
لدينا قرابة 37 ألف مدرسة، وعدد الإداريين في وزارة التعليم يقارب 110 آلاف إداري، ولدينا قرابة 540 ألف معلم ومعلمة. بعض إدارات التعليم لديها إداري لكل ثلاثة معلمين. فهل نحتاج إلى كل هذه الجهود لإدارة العملية التعليمية؟، والتي ببساطتها هي معلم ومتعلم في مساحة تعليمية. 
هل نستطيع أن نمكّن 37 ألف قائد وقائدة مدرسة لإدارة شؤون مدارسهم ومنحهم الصلاحيات لإدارة الشؤون اليومية للتعليم؟ هل يمكننا منحهم الثقة بذلك؟ أم هل يمكننا تأهيلهم لإدارة شؤون مدارسهم؟ هل نستطيع تطبيق 
ذلك على مجموعة من المدارس اليوم؟ باختصار.. هل يمكننا «داباولا» التعليم؟