البراء طيبة

نحن قادرون على هندسة التعليم لدينا، ومعالجة المشكلات المتراكمة على مر السنوات، وأولى خطوات الإصلاح تكون بتقليص الفجوة بين المسؤول والميدان

منذ 150 عاما، كانت مصر وجهة العالم في التطور والحضارة والعلوم، وكانت دول العالم الثالث حينها «اليابان، كوريا، دول أوروبا» ترسل بعثاتها إلى مصر للتعلم. 
وفي قصاصة لإحدى الصحف المصرية، كتبت أنه «نجح بالأمس في امتحان الأجانب في كلية الطب 50 طبيبا أجنبيا، منهم 10 أوفدتهم حكومة إنجلترا لتلقي طب المناطق الحارة في كلية الطب المصرية، و15 فرنسيا، و15 يابانيا، و5 يونانيين، و5 إيطاليين».
ومرت الأعوام، إلى أن وصل تعليم مصر إلى مرحلة تعلن فيه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD» خروج مصر من قائمة التصنيف عالميا في جودة التعليم. فقد احتلت مصر المركز قبل الأخير على مستوى العالم -139 من أصل 140 دولة- وذلك في يناير عام 2016. 
في فبراير الماضي، تم تعيين البروفيسور طارق شوقي وزيرا للتربية والتعليم في جمهورية مصر العربية. رجل سلك مسار الهندسة الميكانيكية، بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، وعمل أستاذا في جامعة MIT وجامعة إلينوي، وأيضا عمل في اليونيسكو قبل تعيينه وزيرا. مهتم بالتقنية حتى إنه عاصر ولادة مشروع المتصفح الإلكتروني مع طالبه مارك الذي اخترع المتصفح الإلكتروني. 
خلال الأسابيع الـ6 الأولى في الوزارة، قام البروفيسور شوقي بالتعامل مع الإنسان في إستراتيجيته، فقبل تطوير الملفات التعليمية، فتح الملفات الإدارية، واستمع إلى شكاوى ومطالبات منسوبي الوزارة كافة، وبادر في الاستجابة لها. 
يقول: لدى الوزارة قرابة 1.7 مليون موظف، و20 مليون طالب، وفي ديوان الوزارة فقط يوجد 8000 موظف. 
وحسب مقابلته في أبريل الماضي، لدينا مئات الآلاف من طلبات التثبيت، والترقية، والنقل، والتعريب، وطلبات محو الأمية، وغيرها. 
وبالفعل، فمن أصل 516 ألف طلب ترقية، تمت معالجة 123 ألفا منها خلال 6 أسابيع. كما أنه بادر بالاستجابة لبقية الملفات، فأغلق أكثر من 200 ألف معاملة خلال هذه الفترة الوجيزة. وفتح قنوات مباشرة مع: معلمين، طلاب، أولياء أمور، قيادات، عبر ما لا يقل عن 140 مجموعة على «واتساب». 
وقام بإطلاق بنك المعرفة، وهي منصة لجميع طلاب مصر، يمكنهم خلالها الحصول على دراسات، مجلات، كتب، وغيرها من المحتوى العلمي. وقام بالاشتراك في هذه القنوات المختلفة بالنيابة عن الشعب المصري، 20 مليون طالب وطالبة. 
وأيضا، أطلق البروفيسور شوقي برنامج المعلمين أولا وهدفه تدريب نصف مليون معلم مع نهاية عام 2018. وأنهى تدريب 10,000 معلم خلال الشهرين الأولين. 
وقام أيضا بتغيير طاقم قيادات الوزارة، واستبدالهم بقيادات شابة متعلمة وخبيرة في مجال التعليم. ألغى نظام الثانوية العامة، وجعل المرحلة الابتدائية شهادة نجاح ورسوب فقط. وَعَدَ بطرح إستراتيجيته نهاية أغسطس منذ تعيينه، وفي 1 سبتمبر عقد مؤتمرا صحفيا للإعلان عن إستراتيجية التعليم في مصر.
مهما كان ضعف أداء تعليمنا، وتدني مستوى الرأي العام حول تعليمنا في المملكة، إلا أننا لم نصل إلى ما وصلت إليه مصر. فمنظمة الاقتصاد والتعاون الدولي ما زالت تتعامل مع المملكة في اختبارات TIMMS و PISA و TALIS و PIRLS، وأيضا أداؤنا لم يصل إلى الـ139. قادرون على هندسة التعليم ومعالجة المشكلات المتراكمة على مر السنوات، وأولى خطوات الإصلاح تكون بتقليص الفجوة بين المسؤول والميدان.
وأخيرا، حجم تعليمنا، من ناحية الكثافة الطلابية، قرابة ربع حجم تعليم مصر. 
احترامي للبروفيسور شوقي الذي استطاع خلال إستراتيجيته وشخصيته الواقعية والشفافة والعازمة، أن يكون الوزير الذي قلب الرأي العام حول التعليم في بلاده، فأصبح الأمل في التعليم مشروعا.