علي سعد الموسى

وانتبهوا، أيها الإخوة الكرام إلى الجمل الأولى التالية في رأس هذا المقال لأنها قد تشرح ببساطة علاقة الكاتب بمنظومة الإهمال الإداري وكارتيل الفساد: أشعر أحياناً أن الكاتب الجريء الصريح، ومع الزمن، سيصبح جزءاً أصيلاً من بطانة الفساد، لأن هذا (الكارتيل) المخيف يستغل الكاتب لمجرد التنفيس وكأنهم يقولون: دعوا الجمهور والرأي العام يشفي غليله بقراءة ما يكتب هؤلاء.
نحن معشر الكتاب تماما لا نشبه إلا الوسادة الهوائية التي ينفس فيها كل غاضب قلق طاقته الكامنة لكماً وضرباً حتى يخرج من عنق الزجاجة ويتجاوز مع هذه الوسيلة مرحلة الأزمة.
باختصار أصبح الكاتب مثل (الكوبري) العالي الذي يختبئ تحته المسؤول ليترك الجمهور يصب غضبه على صاحب القلم أو يشعر بالرضا وتبريد همم النفس وإشباع الذات لأن الكاتب شفى غليل المواطن.
الكارثة الكبرى أن قطاعا واسعاً من الجمهور بات مؤمناً أن الكاتب في قلب منظومة الفساد، ولم يعد مجرد جزء من أطراف هذه المنظومة، هنا قصتي: في عز العاصفة وذروتها مساء الأربعاء الماضي كتبت تغريدة قصيرة كنت أهدف منها بث الاطمئنان والدعوة إلى رباطة الجأش في ساعة رعب نادرة. 
قلت فيها [رجاء عدم التهويل فأبها قادرة على التعامل مع الغيم]. وفي نهاية الأمر فلست خبير هيئة الأرصاد، ولا أمين المدينة، ولا مدير دائرة صرفها الصحي، لم أمض في حياتي كلها توقيعاً واحداً يحمل ذرة متناهية من الأهمية في حياة فرد، ولم أتسنم عشر منصب، بعد التغريدة الشاردة انهالت علي مئات الردود الغاضبة الصاخبة وعشرات الاتصالات، وكأن (علي) يمسك بصنبور السحب أو المنشفة القذرة ما بين المقاول وبين صاحب القرار الإداري، قرأت طوال تلك الليلة تهم (الفوقية)وحياة البرج العاجي، وأنا، وبكل ثقة، أكثر من كتب قصص أديم هذا المكان وأكثر من غاص إلى قاعه السحيق ومشاكله الحزينة والعابرة.
قرأت من يتهمني بالثراء الفاحش وركوب السيارات الفارهة والكسب غير المشروع، ولست في حاجة أبداً لبرهنة العكس، إذ كان تكفيني ابتسامات زوجتي وأولادي وهم يقرؤون معي هذه الردود فهم أروع من يفهم كل ساعة في حياتي ويعرفون بالهللة الواحدة كل ما أملك. 
قلت لأحدهم وهو يرمي علي بصوته كشرر: أنا على استعداد أن [أبسط] بسيارتي وحساباتي وقت ما تريد أمام سوق الراية المنكوب فوق العبارة الشهيرة على بعد أمتار من بيتي وبيتك.
الخلاصة: نعم، أنا جزء من منظومة الفساد وفق توصيفي بأعلى المقال.
المسؤول يريد لنا أن نكتب في ثنايا الكارثة كي تبرد حرارة الغضب لدى المواطن تحت شعوره الوهمي أن صوته وصل. 
انتهت المساحة.