بكر عويضة

بعد ستة أعوام من قيادته شرطة لندن، وجه سير برنارد هوغان، الخميس الماضي، مطلبًا خص به المسلمين في بريطانيا. خلاصة المطلب تقول بضرورة بذل جهد أكبر في مواجهة فكر التطرف. منطق العقل يصب، حتمًا، إلى جانب مثل هذا التوجيه المحق.

بل يمكن الذهاب أبعد قليلاً، بالقول إن المستفيدين قبل غيرهم من تطبيق منهج يضع حدًا لكل تطرف يغذي جرائم الإرهاب، في بريطانيا وغيرها، هم المسلمون أنفسهم. بيد أن ما يكاد يجمع عليه أغلب الشخصيات الفاعلة في أوساط الجاليات الإسلامية بمجتمعات الغرب عمومًا، يتلخص في حقيقة أن فيروس فكر التطرف تسلل بمكر بين نشءٍ غير متمكن عِلمًا، وبالنتيجة فهمًا، من صحيح أصول دينه الحنيف. ببطء، إنما بخبثٍ، تعرضت عقول ذلك النشء - من قبل جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 - لغسل ممنهج، إذ راح زاعمون أنهم «دعاة» يروجون بدهاء لأفكارهم، فإذا بكثير من دروسهم أو حتى في تعليمهم اللغةَ العربية، في مساجد ومدارس عدة، تُخْرَج عن الصراط المستقيم. وبتوظيف خبيث يبرر سفك دماء غير المسلمين أينما كانوا، حتى لو أنهم الذين بينهم وُلِد ذلك النشء، درس وتعلم في مدارسهم، ومارس مرح اللعب بملاعبهم، ثم من جامعاتهم تخرّج، فزاملهم في عمل، وجاورهم في سكن. وإذ فتح الغرب أكثر من باب، بلا تريّث، أمام كل زاعم أنه داعية، أو معارض للحكم في بلده،، جاء آخر ركب موج «الدعوة» أيضًا، فإذا هو يبيح كذلك قتل الذين فتحوا أبواب بلدانهم، بل وبيوتهم، وأحيانًا كنائسهم، لإيواء مسلمين، أطفالاً ونساءً ومُسنين، تشردوا في بلاد العالم بفعل جور وطغيان من حكموا بلادهم.
في المقابل، وقع كثيرون بمنابر إعلام دول غربٍ عدة في فخاخ أخطاء كثيرة. ربما أسوأ تلك الأخطاء، وفق تقديري وآخرين كُثر غيري، التسرّع بإطلاق مصطلح «الأصولية الإسلامية» على التيار المروّج لفكر التنطع، والمبرر للإرهاب. ذلك وصف غير دقيق، ولعله إما يعبّر عن جهل، أو أنه ينمّ عن محاولة دس سمٍ الطعن في صفاء إسلام أكثر من مليار إنسان، تحت ستار ذمّ إرهاب مجرم، ليس من مثقال ذرة، بينه وبين ما يمارس كل مسلم يعرف حق المعرفة أن المسلم هو من سلِم الناس من يده ولسانه، هو من يرعى حق الجار، يحترم عرض الغير كما يصون عرضه، إنْ حَدّث صدق، وإذا وعد أوفى، إنْ عاهد لم يغدر، وإذا اؤتمن ما خان.
مع ذلك، ليس ممكنًا مساواة خطأ إسهام منابر إعلام غربية في رسم صورة نمطية مجحفة للمسلمين في الغرب، أنتجت بدورها ما صار يعرف بـ«فوبيا الإسلام»، مع أخطاء نتجت عن غياب الدور الفاعل للمرجعيات الإسلامية، ليس في بريطانيا وحدها، وإنما في المجتمعات الغربية عمومًا. الغياب هنا ليس نفيًا لجهد معتبر بُذل من قِبل عدد من الوعاظ حاولوا، وكثير منهم لم يزل، الحفاظ على تلقين شباب الجاليات الإسلامية في الغرب الفهم الصحيح لدينهم. إنما من الواضح أن ذلك الدور ظل قاصرًا عن أداء الواجب على النحو المطلوب. لتوضيح الأمر، يمكن استحضار إرهاب السابع من يوليو (تموز) سنة 2007 في لندن. عندما وقعت تلك الجريمة، كانت أعمار شرائح من أبناء الجاليات الإسلامية تتراوح بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة. من تلك الشرائح خرج إرهابيون وإرهابيات ليرتكبوا العام الماضي، إذ هم وهن في عشرينات العمر، جرائم نيس وبروكسل وباريس، وغيرها. يوضح ذلك، ببساطة، فشل دور صمام الأمان المناط بالمرجعيات المعتبرة في أوساط الجاليات الإسلامية بمجتمعات الغرب. ليس القصد هنا التقليل من جهد أي أحد، بل التذكير بأن الأمر بالفعل خطير، وأن مسؤولية العلماء الأفاضل المقيمين في الدول الغربية تتعدى مجرد الواجب الوظيفي، إنهم - ببساطة أيضًا - مطالبون بالانتقال من الوعظ اللغوي إلى العمل الميداني، على نحو يفتح أبواب حوار صريح مع الشباب المسلم في الغرب، بما يجيب عن أي تساؤلات تدور في الأذهان، ويغلق كل باب يمكن أن يتسلل منه أي زعم يبرر أي شكل للإرهاب. في هذا السياق، يمكن تطبيق مطلب سير برنارد هوغان المحق، بل ويمكن الاستفادة من خبرته، وآخرين غيره، بتنظيم لقاءات لهم مع شباب مسلمي بريطانيا. على المنوال ذاته، يمكن أن تعمل أيضًا مرجعيات إسلامية في كثير دول الغرب، بل إن الواجب يفرض عملاً كهذا.. . .