محمد الساعد

في الخامس من يوليو حزيران 2006، أبلغ الرئيس الأمريكي جورج بوش «الابن»، بعض حلفائه في أوروبا والشرق الأوسط، عزم واشنطن القيام بضربة جوية موجعة لإيران، أحد أضلع مثلث الشر كما كانت تطلق عليهم الإدارة الأمريكية حينها، والتي تضم إيران وكوريا والعراق.

بوش وطاقم إدارته، كانوا قد وصلوا لقناعة تامة، أن طهران استنفدت كل الفرص السلمية، المتاحة لها، منذ قيام ما يسمى بالثورة الإيرانية.

كانت إيران وما زالت طوال عقود تتخذ من منهج الإخلال بالأمن في المنطقة والعالم، إستراتيجية تحقق بها النفوذ السياسي والأيديولوجي، تضغط بها على المحاور السياسية، وتبتزها، وتحقق من خلالها مكاسب أخرى.

الأمريكان بالذات، كما السعودية ومصر، وبعض الدول الغربية والعربية، ذاقوا من تلك السياسة المتعدية كثيرا، وأصبح لزاما على المجتمع الدولي إيقاف رعونة النظام في طهران عند حده.

لم تكتف إيران بذلك بل حولت مساعيها نحو إنتاج قنبلة نووية، تساعدها في تصدير الثورة، ما يزعزع المنطقة المتخمة أساسا بالمشكلات والحروب والصراعات العميقة.

بين الخامس من يوليو، والثاني عشر من نفس الشهر، قامت دولتان إحداهما أوروبية كانت تقود ملف المفاوضات النووية مع طهران، ودولة إقليمية جارة لإيران، بتسريب عزم واشنطن القيام بتحرك عسكري ضخم ضد حكم الملالي.

أرسلت إيران وعلى عجل الجنرال «قاسم سليماني» إلى بيروت، في زيارة سرية عن طريق دمشق، وصل سليماني، واجتمع مع ذراع طهران في لبنان، حسن نصر الله أمين عام حزب الله، ورسم معه خطة عاجلة لإيقاف الضربة، وعرقلتها قبل أن تتم.

لم يكن هناك إلا طريق واحد، هو استدراج إسرائيل للقيام بحرب إقليمية كبرى ضد لبنان، وإيقاع آلاف الضحايا والمشردين من الأبرياء والإثخان فيهم، وصنع دعاية موازية، لخلط الأوراق في المنطقة.

فجر يوم الثلاثاء 12 يوليو تموز 2006، أطلقت عناصر من حزب الله صواريخ على مواقع عسكرية إسرائيلية على ساحل المتوسط في شمال إسرائيل، وفي الوقت نفسه تسللت وحدة من عناصر الحزب إلى داخل الحدود الإسرائيلية، وهاجموا دورية، باستخدام متفجرات، وصواريخ مضادة للدبابات، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأسر جنديين، وأخذ الجثث والجنود الأحياء إلى لبنان.

تم ما خطط له سليماني ونصر الله، فقد جن جنون الإسرائيليين، وخاضوا حربا ضد الشعب اللبناني، قتل فيها الآلاف، بالطبع اختباء حسن نصر الله وزمرته، وتراجعت واشنطن عن خططها أمام تدهور الوضع الإنساني في لبنان، وإحراج المجتمع الدولي أمام كارثة الضحايا.

لقد نجح المخطط الإيراني في جر إسرائيل للحرب، وإخراج الشارع العربي، المختطف من حلفاء طهران، على يد اليسار وبقايا القومجية، وجماعة الإخوان المسلمين، الذين تولوا الجانب الدعائي، وصعدوا الغضبة الشعبية، من أجل الحفاظ على حكم الملالي في طهران.

كان اختبارا قويا للارادة الدولية، التي فضلت الانحناء لعاصفة الأبرياء في لبنان، الذين قتلتهم طهران والضاحية، قبل أن تقتلهم تل أبيب.

اليوم نكاد نكون قريبين جدا من نفس السيناريو، فطهران تعتقد أن أولويات إدارة ترمب، قريبة جدا من أولويات إدارة بوش الابن، خاصة عدم الرضا عن التلاعب بالملف النووي، وأنها تحت مرمى النار، بل اقتربت من تلقي ضربة عسكرية، تقتلع جذور الشر التي غرستها طوال أربعة عقود في المنطقة والعالم، وهي في طور استخدام نفس اللعبة ونفس اللاعبين، وسيتم دفع المجنون الإسرائيلي لحرب مدمرة في لبنان وفلسطين، لتبقى الأراضي الإيرانية تنعم بالسلام، إنه قدر خونة العرب، ومخابيلها، الذين يستمتعون بجر بلدانهم وشعوبهم للحروب، بدلاً من عواصم العجم الصانعة لطريق الآلام.