سمير عطا الله

أثيرت في الصحف مسألة إقدام الأديبة غادة السمان على نشر رسائل الشاعر أنسي الحاج إليها بداية الستينات. ولم يطلع المشاركون في الجدل على النصوص، إلا ما نقله في «الحياة» الشاعر والناقد عبده وازن، وهو من أقرب أصدقاء أنسي ومؤتمنيه. البعض انتقد نشر النصوص منفردة، أي من دون أن تكون مرفقة بردود المرسل إليها، لأنه لا يمكن لشاعر كبير أن يكتب الرسالة بعد الأخرى إلى نفسه. والبعض الآخر أيد النشر بداعي أنه أفضل من إخفاء النصوص الجميلة في الأدراج. وبعض ثالث كان حادًا في توجيه اللذعات إلى الروائية السورية.


كَتبت غادة السمان نفسها في الأمر، في زاويتها في «القدس»، فشكرت المحبذين وعاتبت المنتقدين، وأيدت نفسها، وألمحت إلى أنها سوف تنشر أيضا رسائل عاشق ثالث هو بليغ حمدي، بعد رسائل غسان كنفاني وأنسي. وبذلك يكون قد تسنّى للقراء الاطلاع على ثلاثية عشق نادرة: مناضل فلسطيني، وشاعر لبناني، وموسيقي مصري، يقعون جميعًا في هيام روائية دمشقية.
وقد يكون هناك عاشق، أو كاتب رسائل رابع، لم تتم الإشارة إليه بعد. وهذا ليس رأيا شخصيا في الأمر، لأن هذه مسائل حميمة لا تعني سوى أصحابها. لكن الذي لا أعرفه من ناحية قانون النشر هو: هل هذه الرسائل ملك صاحبتها أم ملك الورثة الشرعيين؟ أنا أعرف أن الشاعرة ندى الحاج، ابنة أنسي، هي التي تتولى حفظ إرثه وإحياء ذكراه والتنقيب في مخطوطاته والبحث عما لم يُنشر من أعماله، من أجل نشر ما يستحق أو ما يمكن نشره. فهل الرسائل - وفق القانون - ملك الابنة، أم ملك سيدة مرَّت في حياة الشاعر ومرّ في حياتها لفترة خاطفة؟
لا أملك الجواب القانوني أو الأدبي، ولا أعرف السبب الذي يدفع السيدة غادة إلى نشر مجموعات من الرسائل الخاصة، كتبها في زمن معين من العمر، أدباء، ربما كتبوا لغيرها أيضا. كما لا أعرف إن كانت هناك قيمة أدبية لرسائل لا ردود عليها. إنها مجموعة من الذوبان الوجداني والروحي الخاص الذي اؤتمنت السيدة عليه، من قبل أعلام، كان البوح الخاص جزءًا من علاقتهم، ولم يكن وحده العلاقة.
هل النشر، نشر البوح المنفرد، تكريم لذويه أم لا؟ أيضا لا أعرف. والحقيقة أنني لا أريد أن أعرف، لكي لا أبني عليه موقفًا غير موقفي. فأنا لم أقرأ رسائل غسان كنفاني إلى غادة، لأنني اعتبرت نشرها لا فائدة منه لأحد. وقرأت بضعة أسطر من نصوص أنسي عند عبده وازن، فوجدت فيها أنسي الذي عرفته يافعًا، أي إنه يكتب إلى نفسه. ورسائل الحب التي أراد أنسي نشرها، نشَرَها في رائعتيه «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» و«ماذا صنعت بالذهب، ماذا فعلت بالوردة». أما رسائل بليغ عندما تُنشر، فأنا اكتفيت منه أنه هز أعماقنا بموسيقاه. أحرى سماعه، لا قراءته.. . .