جميل الذيابي

يبدأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز جولة آسيوية اليوم (السبت) ٢٥ فبراير وطوال شهر مارس 2017، يتوقف خلالها في عدد من العواصم الآسيوية المؤثرة المهمة شرقاً، التي طالما شعرت السعودية بأن من صميم مصلحتها تعزيز العلاقات السياسية، والتبادل الاقتصادي والمعرفي معها، واستقطابها للاستثمار في الفرص الضخمة التي تتيحها الموارد الطبيعية السعودية، ومشاريع رؤية المملكة 2030، وبرنامج التحول الوطني.

تبدأ الجولة الملكية بزيارة للعاصمة الماليزية كوالالمبور تستغرق أربعة أيام يتم خلالها توقيع اتفاقيات عدة. وتعد ماليزيا أبرز ما يعرف بـ«النمور الآسيوية»، بما حققته من تقدم كبير في مجالات التصنيع، وتوظيف الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن الاستثمار في التعليم. ويزيد التقارب بين البلدين الهوية الإسلامية الجامعة. ومن كوالالمبور، يحل خادم الحرمين الشريفين في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، ليكون ثاني عاهل سعودي يزور هذه البلاد التي تعد أكبر دولة يعمرها مسلمون (نحو 200 مليون). وللسعودية علاقات عريقة مع إندونيسيا، وهاجر إليها عدد من كبار علماء المسلمين، بينهم سعوديون. وتعد إندونيسيا أكبر مركز ثقل إسلامي، نظراً لأن نسبة المسلمين من السكان 98%، وأصبحت في السنوات العشر الأخيرة مقصداً لملالي إيران بهدف نشر التشيع.

وبعد إندونيسيا سيصل خادم الحرمين الشريفين إلى العاصمة اليابانية طوكيو، ليكون ثاني ملك سعودي يزور بلاد الشمس المشرقة بعد زيارة الملك فيصل لليابان في العام ١٩٧٠، التي تربطها بالمملكة علاقات تبلورت في أواسط خمسينات القرن الـ20. ولا شك أن الصناعة والتكنولوجيا والاستثمارات اليابانية هي هدف كبير للمملكة في سياق طموحها إلى تنفيذ رؤية 2030 لتنويع حقيقي في تنويع مصادر الدخل الاقتصادي.

وبعد ثلاثة أيام، من المقرر أن يزور الملك سلمان العاصمة الصينية بكين لمدة مماثلة. ولا شك في أن العلاقات مع الصين آخذة في التوسع، خصوصاً بعدما زار الرئيس الصيني المملكة، وفي أعقاب الزيارة التي قام بها لبكين ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العام الماضي. وتعد الصين عملاقاً صناعياً واستثمارياً من شأن تعزيز الأواصر معها تحقيق منافع مشتركة للبلدين، وتحقيق تطلعات السعودية لتطوير اقتصادها، ومشاريعها، وأحلامها المتعلقة بنقل التكنولوجيا.

ومن بكين، يزور خادم الحرمين الشريفين جزر المالديف، وهي بلاد للسعودية علاقات وثيقة معها، منذ عهد الرئيس مأمون عبد القيوم. والمأمول أن تسفر الجولة عن تعزيز التوجه السعودي صوب الشرق، وإقامة تحالفات اقتصادية وسياسية جديدة في عالم يسوده الاضطراب، وعدم اتضاح الرؤية، في ظل التقاطعات في سياسات القوى الكبرى. وكان لافتاً أن مجلس الوزراء أقر في جلسته المنعقدة الإثنين (20 فبراير 2017) تفويض عدد من الوزراء، كل في مجال اختصاصه، للتوصل إلى اتفاقات، ومذكرات تفاهم وتعاون، مع الدول الخمس التي سيزورها الملك سلمان، ما يعد أفضل تمهيد للجولة الملكية، خصوصاً أن السعودية تذهب إلى الشرق وهي تقوم بمسؤوليتها الجسيمة في الاهتمام بمصالح العالم الإسلامي، فضلاً عن دورها الكبير في محاربة الإرهاب والتطرف وتجاوز عدد أعضاء التحالف الإسلامي 40 دولة، وفي ظل إطلاقها لرؤية المملكة 2030، ودورها المميز في الحفاظ على استقرار السوق النفطية العالمية، وكذلك حضورها البارز في مجموعة العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم.

الأكيد أن البوصلة السعودية لم تعد تجاه الغرب وحده، وإنما تتجه منذ سنوات نحو الشرق، وتتحرك باتجاهات عدة، وتلك ضرورة بناء المصالح وتوسيع دائرة العلاقات.